معركة عادية

آراء 2020/02/29
...

ساطع راجي
 
كل مراحل وتفاصيل معركة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة مكررة وسبق للإعلام أن سجلها وللمواطنين أن شاهدوها؛ الادعاءات والمماحكات والاعتراضات كلّها حدثت سابقا مع تشكيل كل حكومة وهو ما يعني أنّ القوى السياسية لم تستوعب ما حدث من حراك شعبي، أو أنّها فسّرت هذا الحراك بوصفه مجرد أداء سياسي يمكن التعامل معه بالآليات القديمة نفسها، ولم تستشعر الخطر الحقيقي الذي يطلّ برأسه منذ عدة أشهر؛ خطر اليأس الشعبي الذي يكاد ينفلت من كل ضابط.
القوى السياسية اختلفت مرة أخرى على الحصص الوزارية ولم تهتم أبدا بالبحث عن حلول للمشكلات التي دفعت المواطنين للخروج الى الشوارع متجاوزين كل الخطوط والمخاوف التقليدية، وهم يشطبون عمليا بعض أجزاء النظام السياسي مثل المجالس البلدية ومجالس المحافظات، وتمكنوا من الاطاحة بمحافظين، ثم أجبروا الحكومة على الاستقالة في سابقة نوعية لم يشهدها النظام السياسي، وهذا كان يمثل خطّاً أحمر سياسيا وعقائديا كذلك.
 القوى السياسية لم تتمكن من التقدم خطوة واحدة في سياق تعاملها مع المواطنين ومطالبهم، ولم يقترح أيُّ طرف حلّا لأيّة مشكلة ولا حتى من باب طمأنة المواطنين وإعلامهم بالاهتمام، وهذه القوى تبعث برسالة لا مبالاة الى المواطنين وهي أخطر رسالة في هذا التوقيت ومن يحاول تقديم نفسه كحلٍّ لا يمنح المواطنين غير الكلام العام والجدال التقليدي. في النظام الديمقراطي، مهما كانت علاته، يحق لأيّة جهة أو شخص التعبير عن رأيه واتخاذ موقفه الخاص. لكننا هنا أمام أزمة تستدعي تقديم تنازلات وعدم التمسك بحصص ثبت أنّها لا تحمي أحدا ولا تنفع إلّا عددا محدودا من ممثلي المكونات، وهي حصص ليست ذات قيمة بالمقارنة مع نظام مهدد بالكامل بسبب الغضب الشعبي، هؤلاء كمن يحرص على امتلاك غرفة في سفينة توشك على
الغرق.  تصرفات القوى السياسية ولا مبالاتها تدفع بالرأي العام الى مزيد من الغضب، وربما الى العنف، وهذا ليس في صالح أي طرف بإستثناء عشاق التطرف الذين سيستغلون الظروف لتقديم حلولهم الدموية القائمة على الكراهية، ولا نعرف ما سيحصل عليه المتمسكون بالمحاصصة.