عبدالهادي مهودر
أصاب فايروس كورونا شعوب العالم بالخوف والهلع منذ تفشيه في مدينة ووهان الصينية ، لكن هذا الخطر الذي يهدد البشرية ويفتك بها كشف عن ضعف في التضامن، على الرغم من انه عدو مشترك لبني البشر أجمع من أي لون اوجنس كانوا ولأي بلد ودين وقومية وطائفة انتموا ، وغابت المشاعر الجياشة بين الدول التي قست قلوبها بسبب التنافس السياسي والصراع على المصالح ومناطق النفوذ ، واذا وجدت حالات تضامن فهي محصورة داخل اطار المحاور السياسية المتحالفة .
ولأن السياسة تسمم العلاقات وتقسم دول وشعوب العالم الى معسكرات متحالفة ومتحاربة ولاتوحدها فقد قلّ التعاطف مع الشعوب المنكوبة لأسباب مختلفة ولمواقف مسبقة وديون سابقة واحقاد متوارثة ، فبرزت مواقف عنصرية تجاه الصينيين حيث اشتكى عدد من الآسيويين من التصرفات والتعليقات العنصرية الموجهة ضدهم من بعض الفرنسيين ، وتداول مغردون هاشتاگ "أنا لست فايروساً" للتنديد بالتصرفات العنصرية ضد الصينيين ومن يحملون ملامح آسيوية هناك ، حتى ان صحيفة يومية فرنسية أصدرت عدداً بعنوان "الخطر الأصفر" قبل أن تقدم اعتذارها للجالية الآسيوية في فرنسا ، كما يمكن ملاحظة التوظيف السياسي للأزمة في تصريحات الكثير من السياسيين التي خلطت بين التفشي والتشفي وظهور لغة غير انسانية في عناوين ومضامين بعض وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي .
واذا كان المحزن هو هذا العدد الكبير من الوفيات والاصابات في مختلف القارات فإن المؤسف جداً هو تراجع مستوى التضامن الدولي وغلبة العداء السياسي على الشعور والتضامن الانساني الى حد انعدمت معه حتى بيانات الاعراب عن الأسف والحزن التي لاتكلف اية دولة او منظمة اقليمية دولاراً واحداً ولاتنزلها من عليائها ، وكان طبيعياً في مثل هذه الأزمة الصحية الانسانية الخطيرة أن يجتمع ممثلون عن دول منطقتنا على مستوى وزراء الصحة في أقل تقدير للتعاون والتنسيق واتخاذ الاجراءات التي تحد من خطر الفايروس على الشعوب العربية والاسلامية وهو مالم يحصل وربما لن يحصل لأن السياسة فوق الصحة والحياة ولأن واقع حال الأخوة في الدين اليوم انهم لم يعودوا كالجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وكان طبيعياً ايضاً ان تعلن الولايات المتحدة تضامناً انسانياً مع الشعب الصيني في مواجهة فايروس كورونا مهما كانت درجة العداء والافتراق بين القوتين العظميين ، ولم يكن غريباً لو تضامن الرئيس الاميركي دونالد ترامب في بيان مقتضب مع الشعب الايراني وليس مع نظامه ،بطبيعة الحال، في مواجهة فايروس كورونا وهو الذي يبعث لهم كل عام اجمل الأمنيات والتهاني والتبريكات بأعياد نوروز ورأس السنة الفارسية ، كما ان الامين العام للامم المتحدة البرتغالي انطونيو غوتيرش أقل بكثير من سلفه الكوري الجنوبي بان كي مون الذي كان لايبخل علينا بالاعراب عن قلقة ازاء كل صغيرة وكبيرة في عالمنا المثير للقلق .
انه ليس عالمنا الواحد كما نتمناه ويبدو ان ماافرزه فايروس كورونا من مؤشرات على تسمم العلاقات بين الدول لايقل عن خطورته على حياة الانسان ، فماينقص هذا العالم هو ابداء الكثير من المشاعر والمواقف الانسانية والوحدة بوجه الشدائد والتسامي فوق الاختلافات عند وقوع الكوارث
والادراك بأن حياة الشعوب هي الخط الأحمر والشعوب هي الباقية والانظمة والسياسات والاختلافات زائلة ومتحولة ، وان فايروس كورونا مثل اي كارثة انسانية اخرى كالفيضانات والزلازل والحرائق والاعاصير لاتفرق بين غني وفقير وبين صيني واميركي وايراني وعربي وهندي وكوري وايطالي واسترالي وتحتاج الى مظاهر تضامنية وإن كانت رمزية .
وحيث وصل فايروس كورونا الى امتنا العربية والاسلامية غير المتضامنة في السراء والضراء فتكاد كل دولة من دولها ترفع لافتة مكتوب عليها " اللهم اعطهم مايتمنون لنا " وتضمد جراحها بمفردها الى حين نجاح البشرية المتقدمة في انتاج لقاحات مضادة لفايروس كورونا...عدونا غير المشترك .