سَحابٌ من التساؤلات عن حقوق المؤلِّف

ثقافة 2020/03/02
...

استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي 
 
يحيط المؤلف والمؤلف كثيرٌ من المشكلات تتمثل بالتباس فهم التناص والاقتباس والتجاور النصي والتقارب في الأفكار وطبيعة تناولها لدى عدد ليس بالقليل من المنشغلين بالكتابة، ولهذا نجد هذا الموضوع يشغل حيزا كبيرا في الحياة الثقافية والابداعية منذ ظهرت الكتابة وبدأت مفاهيمها بالتأسس. هنا نحاول الاطلال على مشهدنا الثقافي عبر نافذة من التساؤل حول حقوق المؤلف وآراء نخبة من مبدعينا حول النصوص الابداعية التي تضيع بين متناوليها على مستوى الفكرة والصياغة، حتى أننا نرى بعضها يذهب هباءً من دون ذكر أسماء أصحابها، وطالما شاهدنا أفكارَ نصوص مشهورة أو مغمورة يتم الانتفاع منها بطريقة تشبه السرقة، أو تطابقها، كل هذا وغيره من التساؤلات عبر هذا الاستطلاع.  
عوامل الحفاظ 
على حقوق المؤلف 
الأديب علي لفتة سعيد تحدث عن ضرورة وجود استقرار سياسي واجتماعي يمكن من خلاله الحفاظ على حقوق المبدعين مشيرا إلى غياب ذلك الاستقرار وتأثيره على واقعنا الثقافي بشكل عام وأكد قائلا: حين نتحدث عن حقوق أيّة فئة من المجتمع لا بدّ من جود عوامل ثابتة للحفاظ على هذه الحقوق، ومنها وجود استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي ينعكس بصورة طبيعية على الاستقرار الثقافي. ولأنّ هذه العوامل غائبة ليس في هذه الحقبة الزمنية ما بعد العام 2003، بل إلى ما قبلها منذ تأسيس الدولة العراقية والعراق يبحث عن استقرار حتى لو كان معنويا، فإنّ الحقوق الفكرية تكون هي الأكثر قساوة في التجاوز عليها، لأنّ السلطة التي هي صاحبة العمل على الاستقرار لا تؤمن بالثقافة ولا تؤمن بالفكر لا تمنح الحرية الفكرية ولا تعطي أهمية للإبداع الثقافي إلّا إذا كان يسير العربة ذاتها التي تنقلها العجلات المحركة ذاتها في الاتجاه الذي تخطط له السلطة، لهذا فإنّ التجاوز على الحقوق الفكرية متاح جدا سواء للمؤسسات التي تعمل على استغلال كل ما هو فردي أو أشخاص همّهم الأول الظهور بمظهر الواعي والمثقف، وهم في الحقيقة فارغون من المحتوى، فيلجأ بعضهم الى هذا التجاوز الذي يمكن اطلاق كلمة السرقة عليه، ولهذا فإنّ النتيجة هي لا وجود للحقوق لوجود المشكلات ذاتها في الظروف ذاتها وإن اختلف الوقت والزمن والمناخ، وهي ليست مشكلات اجتماعية بقدر ما هي سياسية تنبني أساسا من الفعل السياسي الخاطئ، وحين نتحدث عن الحلول فإنّ كل شيء مرتبط بالاستقرار والهدوء وفعالية الاحترام المتبادل بين الفرد والجماعة بين المبدع والدولة، وهو ما يعني وجود القانون وفعاليته وقوته، وبالتالي وجود الوعي لدى المؤسسات التي تعمل في ظل القانون وهي التي تمنع سرقة الأشخاص لكل الجهود الفكرية للمؤلف الذي يعيش بلا ظهر إن صح القول.
 
الشكل وبراءة النصوص 
ابتدأ الناقد عمار الياسري رأيه بمقولة الألسنية البلغارية جوليا كرستيفيا التي نفت البراءة عن أيّ نص، مدّعية أنّ كلّ نصّ هو فسيفساء من نصوص أخرى، ثم أشار إلى أهمية الشكل في الموضوع، مبيناً أنّ شكلية النص تبقى متفردة، مبنى ومعنى، وهذا مردّه بنية الأسلوب ومعمارية التشييد. هذان النسقان يجعلان النص متحولا من منتج إلى آخر، وهنا تتحقق الأدبيّة ويتمظهر الإبداع، والتساؤل الذي يُطرح: كيف ينأى المبدع الحقيقي بنصه عن وقوع الحافر على الحافر أو التناصات العميقة؟
وقد أجاب الياسري عن التساؤل الذي طرحه قائلا: الجواب يقع على نسقين: النسق الأول، هو الدراسات الأدبية التي تقتضي اتباع منهجية دقيقة يتم الإشارة فيها إلى مصادر الدراسة وهذا ما يحدث في البحوث العلمية وعلى نحو أقل في الصحف والمجلات. أمّا النسق الثاني، فهو الأجناس الأدبية سواء كانت من الشعر أو النثر. هنا تصبح المشكلة أكثر تعقيدا لعدم وجود منهجية مصدرية، لذا يسعى صانعو الجنس الأدبي إلى مغادرة الوعي الجمعي النصوصي إلى عوالم سحرية لا مرئية من أجل صوغ منجزهم من دون أيّة تمثلات نصوصية قبلية كي لا يتم التماهي معها قصدا أم من دون قصد.ترتفع هذه الأيام أصوات عديدة يقع عليها حيف الإقصاء والتهميش والتجاوز من خلال استغلال منجزها تحت يافطات عديدة منها التوليف أو الاعداد أو التعريب وربما الاقتباس. السبب الرئيس لهذا الاشتباك الثقافي هو عدم وجود معايير ثقافية تسير عليها المؤسسات الثقافية أو أعراف ثقافية تنظم العمل، إذ يجب على أيّة مؤسسة ثقافية عدم قبول أو انتاج أيّ عمل يقع تحت توصيف الاقتباسات أو التوليف أو الإعداد من دون الإشارة الى المصدر الأصلي، ليس هذا حسب، بل شموله بالحقوق المادية والمعنوية كافة.
في وسط الانفتاح الثقافي للنص على وسائل التواصل المتنوعة لا بدّ من وضع سياقات عمل تمنع الانتهاكات المريعة التي حصلت أو قد تحصل لنصل بعدها إلى ثقافة تنظم العمل الثقافي من دون أيّة تجاوزات أو أنتهاكات.
 
سرقات النصوص المسرحية 
الكاتب المسرحي علي العبادي تكلم عن السرقات التي تستهدف النصوص الإبداعية،  مشيرا الى أنها تتمحور عبر اشتغالين منها اغتيال حق المبدع عبر الاستيلاء عليه وتقديمه كما هو وهذه سرقة فيها تصريح، وهناك اغتيال وإزاحة غير مباشرة تتمثل باستلاب الفكرة من جسد النتاج الابداعي وهذه سرقة فيها تلميح، ممّا تفتح الباب على مصراعيه للباحثين والنقاد للبحث في جذر ذلك النتاج والكشف عن أحقيته أو عائدتيه. ثم لفت العبادي إلى تدني مستوى الخطاب الثقافي والفني لدى كثير من المشتغلين في الحقل المسرحي وانغلاق المسامات الإبداعية التي جعلت منهم توابع إبداعية، بل منهم من لا يميز بين الاقتباس والإعداد والتأليف والفكرة حسب ما حدث معي في (مهرجان المثنى المسرحي الأول ضد الارهاب) حيث قدم أحد المخرجين الشباب المشاركين في المهرجان مسرحية (الحقائب السود) لم يكتف بسرقة النص وحذف اسمي ونسب المسرحية إليه، بل تابع عبر اليوتيوب منجز المسرحية واكتشف أنّها قدمت في كربلاء وقام بسرقة جزء من الرؤية الإخراجية للعرض، وبعد مواجهته يقول لي إنّ شخصا ما أعطاني الفكرة اتضح لي أنّه لا يفرق بين (السرقة والاقتباس و الإعداد). 
وبيّنَ العبادي أنّ السرقات التي تستهدف النصوص المسرحية عبر النت تمثل كارثة أخرى حلت بأهل الابداع، حينما ينشر المبدع نصاً مسرحياً في أحد المواقع المتخصصة في الشأن المسرحي أو غيرها، عملية السطو على هذا المنجز تتم بسهولة بالغة ويصبح للسارق حرية لم يألفها في واقعه عبر اشتغالاته في مجالات السطو واغتيال المؤلف، منها شطب اسم منتج الخطاب و إزاحته له، وأخذ جزء من النص لكي يخرج بنص مكون من مجموعة نصوص من دون ذكر اسم منتجي النصوص، حذف وإضافة من دون الرجوع للمؤلف، كل ذلك يحدث إذا علمنا أنّ في زمن القحط الأخلاقي ليس لمنتج الخطاب الجمالي/ النص من معرفة بتقديم نصه إلّا عبر الوكالات الصحافية، أو ما كتب عنه في الصحافة أو إبلاغه من قبل أحد الأصدقاء، الذين تسنى لهم مشاهدة العرض، أمّا ما دون ذلك ليس له علم اطلاقاً.