الحكايات الغريبة وراء الكلمات الإنجليزية في اللهجة العراقية

ثقافة 2020/03/03
...

 كتابة: أحمد خليل
 
 
 
استغرقت «حملة بلاد الرافدين» العسكرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى حوالي ثلاث سنوات للوصول إلى بغداد، واجهت فيها قوات الاحتلال العديد من التحديات بمجرد وصولها. في الواقع، كانت هيمنة بريطانيا الساحقة على العراق من عام 1917 إلى عام 1947 فترة «تواصل» سياسي واقتصادي عنيفة وقاسية.
 لكن المثير للاهتمام هو أن هذا العدد من «الكلمات المستعارة» من اللغة الإنجليزية في اللهجة العراقية يخبرنا بأن التواصل لم يكن دفاعيًا دائمًا. والأهم من ذلك، هو أن نوعية الكلمات المستعارة والطريقة التي لويت بها لتناسب الاستخدام العراقي تعكس حقيقة أن العراقيين كانوا مفتونين بلغة وثقافة محتليهم الذين أطلقوا عليهم ساخرين كنية «أبو ناجي» بعد الاعتقاد الذي شاع بأن الملك العراقي غازي بن فيصل قُتل بأمر من البريطانيين على يد سائقه «أبو ناجي» في حادث سيارة مزيف.
ومع ذلك، في حين أنني يمكنني بوضوح تحديد العديد من الكلمات على أنها إنجليزية الأصل، على سبيل المثال: (بسكت، بايسكل، راديو، شورت)، فثمة العديد من الكلمات الأخرى التي تم تغييرها بدرجة كافية لتشبه كل شيء ما عدا اللغة الإنجليزية، بما في ذلك: فصّ كلاص، تمّن، وغيرها.
الكلمات الإنجليزية في اللهجة العراقية موجودة في جميع نواحي الحياة اليومية تقريبًا، وسأركز هنا في هذه السطور على الاستعارات المضحكة أو العجيبة، لكنني سأبدأ أولاً بواحدة في اللغة الإنجليزية.
 
شَربَت ت. س. إليوت
عودة إلى عام 1999، في محاضرة شعرية في الجامعة المستنصرية في بغداد، ما زلت أتذكر كيف شعرت بالعطش عندما سمعت البروفيسور الواسطي، أثناء قراءة قصيدة إليوت «رحلة المجوس»، يلفظ فيها كلمة «شربت».
The summer palaces on slops, the terraces, And the silken girls bringing sherbet. 
القصور الصيفية على المنحدرات، الشرفات،
 والفتيات الحريريات يجلبن الشربَت.
نظر إلينا الأستاذ أثناء تحديقنا عندما سمعنا تلك الكلمة وقال: «نعم، إنه شَربَتنا». القصيدة نُشرت في عام 1927 عندما كان البريطانيون في العراق، لكن الكلمة جاءت إلى الإنجليزية عبر العثمانيين في القرن السابع عشر.
كان يمكن إن يكون العراقيون قد استعاروا الكلمة من اللغة التركية (أو من اللغة الإنجليزية بعد عام 1914)، لكن المفردة نفسها جاءت أصلاً إلى اللغة التركية من كلمة «شراب» العربية.
كلمة «شَربَت، التي تعني «عصير»، تستخدم فقط في العراق. في عام 2001، سألني ابن عمي السوري، الذي كان يزور العراق للمرة الأولى، «لماذا لديكم لوحات إعلان تقول: شَرِبَتْ عصيرَ العنبِ؟»، شرحت له، بينما هو يجاهد لكي لا يضحك، إن «شَرْبَتْ» تعني: عصير، وليس «شَرِبَتْ»، التي تعني «هي شَرَبِتْ». تُكتب الكلمة في الحالتين بنفس الرسم من دون حركات إعرابية. ومع ذلك، فقد اعتقد ابن عمي أننا، وكلانا ناطقان بالعربية، نقول عنه: «عصير»، وليس «شَرْبَتْ». ستظل من قبيل الصدفة المضحكة أن كلمة «شربت» عادت إلى العراق من دون تغيير مع البريطانيين، رغم التكلفة الباهظة لذلك.
فص كلاص
كلمة «فصّ» تعني: «فِلقَة» أو «جزء» باللغة العربية و «كلاص» التي تعني «كأس» تبدو بشكل واضح أنها جاءت من الكلمة الإنجليزية «Glass”. الكلمتان معًا “فص كلاص” تعنيان حرفيًا “قطعة لامعة من الزجاج”. لكن قلّة من الناس في العراق يعرفون بأنها جاءت من مصطلح “First class”، ويعني: (درجة أولى) باللغة الإنجليزية، الذي يتم استخدامه لإعطاء المعنى ذاته، أي: شيء عالي الجودة.
في غضون ذلك، كانت كلمة “رُزّ” تُستخدم في اللغة العربية الفصحى واللهجة العامية من أجل 
“الأُرْز”. 
في العراق، ومع ذلك، نقول “تمّن”، ويعتقد أن الكلمة هي (Ten men) التي تعني «عشرة رجال»، كانت علامة تجارية لنوع من الأرز البسمتي الهندي. الأسطورة تقول إن الفلاحين العراقيين رفضوا تزويد البريطانيين بالأرز لإطعام جنودهم، وبدلاً من ذلك استورد البريطانيون الرز الهندي، ماركة «Ten men».
اعتاد الحمالون العراقيون سماع الجنود البريطانيين يأمرونهم بحمل أكياس «Ten men» (تم استيعابها على أنها: تمّن)، معتقدين أنها تعني «الأرز» باللغة الإنجليزية. في كل مكان في العراق، ما تزال الكلمة تستخدم للأرز، والذي هو جزء لا يتجزأ من الطبخ العراقي.
طويريج
من المعروف، وعلى نطاق واسع في العراق، أن اسم بلدة تدعى (طويريج) هو مأخوذ أيضاً من اللغة الإنجليزية (Two way reach) أي: ثنائي الاتجاه. على الرغم من أن هذا جعل من البلدة شعبيةً ومن الأسطورة حقيقة على حدّ سواء، إلا أن الاسم باللغة العربية يعني في الواقع (طريق)، وصيغة التصغير له هي (طويريق)، أي «الطريق الصغير». وتقلب بعض اللكنات العراقية حرف «ق» إلى «ج». 
ثمة مثال آخر هو قرية أخرى في غرب العراق بالقرب من الحدود الأردنية، والمعروفة باسم (طريبيل)، والتي يعتقد أن تسميتها جاء من (Trouble) الإنجليزية، أي: “متاعب”، أو من مفردة (Tribal)، أي: “قَبَليّ”. 
مرة أخرى، في حين أن هاتين الكلمتين الإنجليزيتين تبدوان مناسبتين لطبيعة المكان، فليس 
ثمة دليل واضح يدعم هذه 
الفرضية.
هذه القصص المضحكة حول استعارة المفردات وتبادلها بين عدد من اللغات، والقصص المحبوكة حولها، تخبرنا كم كان في الواقع مدى عمق وتعقيد العلاقة الثقافية بين القوى الاستعمارية والشعوب التي استعمرتها.
 
The Conversation