تشكّلت في مدينة البصرة على مدة السنوات السابقة عدد من الجماعات الفنية التي لا يتجاوز أعضاؤها خمسة أو ستة أعضاء، هذه المجموعات ربطتهم رؤى متقاربة، وهموم فنية أرادوا من خلال تجمعهم أن يقدّموا الجديد على مستوى العمل الفني.
غير أنّ فريق شناشيل كان مختلفاً، فهذا الفريق الذي لم يمر على تشكيله أكثر من عام ونصف العام، تجاوز عدد أعضائه الثمانين عضواً من الشباب والفتيات، ومن الفنون المختلفة، فهناك الرسّام والنحّات والخطّاط، فضلاً عن الحرف اليدوية التي اختصت بها الفتيات.
وهذا ما نراه في المعرض الجماعي الذي أقامه الفريق على قاعة قصر الثقافة والفنون هذا الأسبوع، الذي ضمَّ ثلاثين فنانا بواقع تسعين عملاً فنياً.
قاعة قصر الثقافة والفنون كانت ملأى بالأعمال الفنية، ومكتظة بالشباب والفتيات، فضلاً عن أسر هؤلاء الفنانين الذين يحاولون شق طريقهم وسط البيئة والمجتمع الذي انهمك بمشاغل الحياة بعيداً عن الفنون التي انحسرت بشكل واضح.
لماذا شناشيل
هذا الفريق تشكّل بعد تجمّع مجموعة من الفنانين الشباب ليفكروا في تقديم أعمالهم بطراق جديدة، فالفنان الشاب زياد الخفاجي مدير فريق شناشيل يقول إن فريقهم على الرغم من حداثة ولادته وعمره الذي لا يتجاوز العام ونصف العام، إلا أنه استطاع أن يثبت نفسه من خلال إبداعات الفنانين المنتمين له، إذ يتكون فريق شناشيل من أكثر من 80 فناناً وفنانة، بمختلف التخصصات، مثل الرسم والخط العربي والأعمال اليدوية والنحت.
أما عن الفكرة الأولى التي كانت نواة لتشكيل هذا الفريق، فيبيّن الخفاجي أن الفكرة جاءت لإبراز مواهب الشباب البصريين بعد أن رأوا أن في هذه المدينة طاقات هائلة من الفنانين الشباب، لهذا أرادوا أن يبرزوا هذه الطاقات ويؤكدوا على وجود أمل بهؤلاء الشباب. وقد «اخترنا اسم (شناشيل) للتعبير عن تراث البصرة وفولكلورها المعروف».
ويضيف الخفاجي أنهم شاركوا بعدة مهرجانات وحصلوا على جوائز ودروع على الرغم من حياة الفرقة القصيرة التي تأسست قبل أقل من سنة ونصف فقط. لكن الذي جمع هؤلاء الشباب كلهم حب الفن، «بدأنا بعدد قليل من الفنانين الشباب حتى بدأ التوافد للانتماء لكل عاشق وموهوب يرغب أن يكون ضمن سياقات هذا الفريق».
أما عن هذا المعرض الذي يقام على قاعة قصر الثقافة والفنون، فيشير الخفاجي إلى أن هناك ثلاثين فناناً فقط شاركوا من شناشيل، لكل فنان ثلاثة أعمال في هذا المعرض، بعد أن قدّمت مئات الأعمال للمشاركة، لكننا شكلنا لجنة لاختيار الأعمال التي ستشارك، وتم اختيار هذه الأعمال التي تنوعت بالرسم بالزيت والأكريليك والنحت والخط، وهؤلاء الثلاثين مثلوا جزءاً بسيطاً من الفريق، فقد شارك في مهرجانات سابقة أكثر من 50 فناناً مرّة واحدة، كاشفاً أن المشكلة دائماً تكمن بحجم القاعة والمساحات التي تخصص للفريق، فـ «نحن لا نواجه أية مشكلة بجمع الفنانين، لكن من يدعونا هو الذي يواجه مشكلة بتوفير مكان لكل هذه الحشود من الفنانين، وهذا يدل على أن مدينة البصرة ولّادة للطاقات الفنية الشبابية».
هذا العدد الكبير من الفنانين الشباب ربما يفوق اتحادات أدباء أو مؤسسات كاملة في العراق، وهو ما جعل مسؤولي الفريق بالتفكير لتحويله إلى منظمة مجتمع مدني أو مؤسسة فنية، ومن ثم هذا التحويل سيضمن للفريق- حسب الخفاجي- دعماً رسمياً، لأنهم يمولون أنفسهم بأنفسهم من دون أية جهة داعمة، ومن ثمَّ يوضح الخفاجي أنهم بهذا التشكيل سيتمكنون من وضع آليات جديدة للانتماء للفريق، ويكون الإبداع هو الدافع الرئيس لبناء فريق مستقبلي شبابي يقدّم كل ما يخدم البصرة فنياً.
فنانون متحمسون
ما رآه زائرو المعرض من حماس وسعادة لدى شباب شناشيل، سيتأكد من أن هذه المدينة لن تموت بوجود أجيال تنبثق من كل هذه الجدران الخانقة، فهؤلاء الشباب شاركوا بمهرجانات وفعاليات كثيرة خلال العام الماضي، فبحسب ما يقول الفنان المشارك بالمعرض تحسين عبد الباقي إنهم شاركوا بعدد من المهرجانات والمعارض، مثل مهرجان النخلة الذي أقيم في المدينة الرياضية، وفي المهرجان الذي أقيم على قاعة بهو الإدارة المحلية.
أما عن مشاركته بهذا المعرض، فإنّه يرى أنه كان يسعى من خلالها لتقديم أعماله التشكيلية الجديدة، لاسيما بعد أن تدرّب خلال المدة السابقة على تطوير مهاراته بالرسم، خصوصاً بعد دخول عدد من الشباب الجدد للفريق، والمنافسة الفنية لتقديم الأفضل في المدة المقبلة.
أما الشابة هدى عاطف محسن، فإنها انتمت لشناشيل عن طريق الصدفة بعدما عرضت مجموعة من اللوحات في شارع الفراهيدي الثقافي، فطلب منها مدير الفريق الانضمام والعمل تحت اسم شناشيل. «لكن مشكلتنا كبنات نبتعد عن الأضواء بسبب الأوضاع الاجتماعية والأسرية التي تمنع البنات من أن يكنَّ حاضرات في المحافل الثقافية».
أما عن توجهات هدى الفنية فهي ترفض الأطر التي تقيد أي فنان، «أرسم ما أراه مناسباً في لحظة الرسم، لكن بالعموم أنا أميل للرسم الكلاسيكي والواقعي، أعشق الطبيعة وتكوينها، بألوانها وتناسقها، لهذا لا أرغب بالمدرسة التجريدية أو المدارس الفنية الحديثة، لأني أشعر أن الواقعية أقرب للمتلقي البسيط».