روايــــة مــن الأوروغـــواي

ثقافة 2020/03/06
...

هدية حسين
 
يُعد ماريو بينيديتي ( 1920 - 2009) علماً من أعلام الأدب في الأوروغواي، شاعر وروائي وناقد وكاتب مسرحي له إنجازات مهمة ومتواصلة على طول مسيرته الأدبية، وقد تعرض في حياته للاعتقال وانعكس ذلك على كتاباته، خصوصاً روايته (ربيع بزاوية مكسورة) التي تعد من أدب السجون، لكنها لا تقتصر على تجربة السجن فقط، أو يحتكر البطل فيها سرد حكايته والتعذيب الذي يتعرض له كما يحدث عادة في الروايات التي تصنّف من أدب السجون، وإنّما يترك ماريو بينيديتي لشخصيات روايته مطلق الحرية للتحدث عمّا يحصل لهم وعلاقة ذلك بالشخصيات الأخرى، فالبطل سانتياغو، الصحفي المعروف حين يخرج من بلاده بطريقة شرعية للعمل في الأرجنتين هناك يتقرر مصيره بعد فترة عندما يتعاطى السياسة، ويقضي في السجن سنوات طويلة تاركاً زوجته غراثيللا وابنته بياتريس وأباه روفائيل في بلد آخر، الزوجة تواصل عملها كسكرتيرة في أحد المكاتب، بانتظار أن يخرج زوجها يوماً ما، وكذلك ينتظر الأب وحفيدته، إلّا أنّ السنين تكرّ من دون نتيجة، ويواصل سانتياغو كتابة رسائله الى زوجته من دون كلل، وهو الآخر يحلم بالحرية ولمّ الشمل. 
وفي رسائله التي تشي بالأمل يستذكر حياتهما معاً، وتعيده العزلة المفروضة عليه أن يعود الى طفولته البعيدة لنلمّ بجميع جوانب شخصيته.كل شخصية من شخصيات الرواية تحكي عن عالمها الذي تخلخل بعد سجن سانتياغو مع بعض الأمل الذي بدأ ينفد عند الزوجة غراثيللا تدريجياً عندما كرّت السنين، فالأمل الضعيف لا ينقذها من إحساس بدأ يسيطر عليها فهي لا تشعر باشتياق جسدي الى سانتياغو الذي يذكرها دائماً بحميمية لقائهما الجسدي، وهذا الأمر يجعلها تشعر بالذنب حيال الزوج الذي عاشت معه ما يقارب العشر سنوات، فتضعف ذات يوم وتعترف للصديق رونالدو بأنّها لم تعد بحاجة الى سانتياغو على الرغم من حبها له وأنها ما تزال تشاركه معتقداته السياسية، وأن سانتياغو رجل رائع لم يُسىء إليها يوماً، وحين يستدرجها رونالدو للاعتراف أكثر تخبره بأنها لم تحلم برجال آخرين، ولكنها في أحلام يقظتها تحلم به، أي برونالدو. أمّا الأب روفائيل الذي يتلقى رسائل من ابنه فيتحدث عن أمور كثيرة لكن أقساها ما قاله له مدير السجن الذي يصفه بالصريح والسافل (لم نجرؤ على تصفيتهم جميعاً عندما كانت لدينا الفرصة، وعلينا أن نطلقهم في المستقبل، علينا استغلال الوقت لنحولهم الى مجانين) وبما أنّ ما قاله مدير السجن كان من خمس سنين، فإنّ هناك أملاً بخروج ابنه سالم القوى العقلية، لأنّ سانتياغو متزن حتى الآن، فهو (يقنن جرعة كرهه بحذر وفطنة، إنّ الأحقاد تُنشّط وتحرض إذا ما كان هناك من يسيطر عليها، وتحطّم وتشوّش عندما تكون هي التي تحكمنا)ص84. هذا الأمل الذي يعيش فيه روفائيل يجعله واثقاً من مستقبل ابنه على الرغم من أن هناك بعض الشكوك التي تراوده في ما لو استطاع أن يعيش طبيعياً بعد تلك التجربة (أن يعاود المرء تنظيم نفسه في المنفى ليس كما يقال في الكثير من المرات، أن تبدأ من الصفر وإنما من أربعة تحت الصفر أو عشرين أو مئة تحت الصفر)ص85 وهكذا سنقرأ في فصول الآخرين عن تجربة السجن بأكثر من صوت، حتى الطفلة بياتريس ابنة سانتياغو حين تتحدث، وغالباً ما يكون حديثها عن مشاهداتها التي تتناسب مع عمرها، عن ناطحات السحاب وحديقة الحيوانات وعن بلد اللجوء الذي تعيش فيه بعد أن جاءته صغيرة مع عائلتها، أما بلدها الأصلي فلا تتذكر منه سوى أنه بلد صغير تكثر فيه الخيول وسكانه قليلو العدد، وتحكي عن بعض رفاقها في المدرسة الذين يتنمرون عليها ويعتقدون بأن أباها مجرم ولو لم يكن كذلك كيف دخل السجن إذن؟ ما تتذكره هي عن والدها أنه سُجن في فصل الربيع، غير أنها لا تعرف لأي سبب، وحتى لو عرفت فإنها لن تفهم، فدهاليز السياسة والسجون أكثر تعقيداً من سنين عمرها البريئة، واللغة التي كتب بها بينيديتي فصول بياتريس تتناسب مع طفولتها، وكذلك فعل مع الشخصيات الأخرى بحيث جعلنا نحدد طبيعتها وملامحها من طبيعة اللغة المناسبة لكل شخصية وزاوية نظرها للأمور. في الفصول التي تحمل عنواناً رئيساً (بين الجدران) يكون لسانتياغو الكثير من الوقت لكتابة الرسائل، وكيف تكون علاقة السجين بالأشياء التي تحيطه حتى التافهة منها، فمثلاً يحدق خلال ساعات أيامه الطويلة ببقعة على الحائط، بقعة خلّفتها الرطوبة، فيصبح لذلك شأن آخر، فهو يرى في خطوطها وتعاريجها وجوهاً تولّد لديه شعوراً بالحنين لذلك العمر البعيد من حياته يوم كان طفلاً، في الوقت الذي تولّد فيه شعوراً بالخوف حين ترافقها الأشباح، ومنه سنعرف كيف يعيش السجين السياسي أيامه وكيف يكشف لنا أساليب السجانين بتحطيم إنسانية الإنسان، وعلى الرغم من ذلك فإن سانتياغو عرف كيف يدرب نفسه للمحافظة على كيانه، وكثيراً ما يسائل نفسه: ترى كيف سيكون الأمر لو أنه سار باتجاه آخر بعد أن كان الاتجاه الذي سار فيه والذي أوصله الى السجن خاطئاً؟ هو يفترض لكنه في الحقيقة لا يقر بأنه سلك الطريق الخاطىء في السياسة لأنه ما يزال يحمل بثبات معتقداته، وأنه سيغادر السجن ومنفاه ذات يوم. الشائك في هذه الرواية هو المعاناة التي تعيشها غراثيللا، ترى كيف ستتعامل مع مشاعرها الجديدة وكيف سيكون الوضع إذا ما خرج سانتياغو من 
السجن؟
ما يؤسف في هذه الرواية التي صدرت عن دار نينوى بدمشق ومن ترجمة علاء شنانة أنها حفلت بكم كبير من الأخطاء اللغوية لدرجة تكاد لا تخلو صفحة من صفحاتها الـ(200) من عدة أخطاء وليس خطأ واحداً، وهذا الكم الكبير من الأخطاء يتحمله المترجم ودار النشر على حد 
سواء.