لهفة الانتخابات

آراء 2020/03/06
...

ساطع راجي
 
بعد الملابسات والشكوك والاتهامات التي لاحقت الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 2018، كان من الطبيعي التوجه إلى انتخابات مبكرة وأن يكون إجراؤها هو مهمة الحكومة الوحيدة آنذاك، إذ لم يكن متوقعا أن يؤدي مسار الأحداث إلى تحقيق أي إنجاز، فضلا عن أنّه زاد من غضب المواطنين الذين سبق لهم أن أبلغوا القوى السياسية بغضبهم فعلا عبر المقاطعة الواسعة للانتخابات. وإجراء انتخابات مبكرة ليس معضلة أو عاراً ولا هو خطيئة، فكثير من الدول تجري انتخابات متلاحقة خلال مدة قصيرة. أمّا الكلفة العالية والاجراءات المعقدة فهي جزء من سياسة القوى الحاكمة المقصودة لمنع مراجعة أدائها ولتعفي نفسها من الإنفاق الضخم على الدعاية ومشكلات تجديد صفقات توزيع المواقع.
إذاً، الانتخابات المبكرة إستحقاق لم يكن هناك مفرّ منه، وعندما تجاهلته القوى السياسية تحول الى مطلب شعبي عبّر عنه المتظاهرون الذين شخّصوا مفاصل المشكلة في العملية الانتخابية بالقانون والمفوضية، واشترطوا على أيّة حكومة جديدة إجراء انتخابات مبكرة واعتبروها مهمتها الرئيسة.
السقف الزمني المطروح للانتخابات هو سنة بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ومن الواضح وجود لهفة عند المتظاهرين لها مع الملاحظة أنّه من غير المؤكد ظهور قوى سياسية جديدة منظمة قريبا يمكنها خوض الانتخابات ومنافسة القوى المهيمنة، لكن يمكن تجاوز هذه العقبة في حال إجراء الانتخابات كما أرادت معظم الجهات المنظمة للتظاهرات بمفوضية أكثر استقلالية ووفق دوائر متعددة داخل كل محافظة، وبقوائم فردية ليصعد إلى البرلمان عدد جيد من الناشطين المشاركين في التظاهرات، أو من الشخصيات التي يدعمها المتظاهرون.في مواجهة هذه اللهفة تظهر عدة أمور تدعو إلى خيبة الأمل، في مقدمتها عدم جدية القوى السياسية في إجراء انتخابات مبكرة بما فيها القوى التي تعلن عن رغبتها بتلك الانتخابات وهو ما ظهر واضحا في تعقيد مهمة رئيس الوزراء المكلف المعتذر عن تشكيل الحكومة محمد توفيق علاوي إذ لم تتصرف القوى السياسية على أنّ الحكومة الموعودة المؤقتة تمهد لانتخابات بعدما نجح المتظاهرون المستمرون في احتجاجتهم بضرورة تبدل الحكومة السابقة، وكذلك تأخر القوى الحاكمة إخراج قانون الانتخابات من البرلمان.أمّا ما يدعو لخيبة الأمل الأكبر فهو تمسك القوى الحاكمة بالمنهج نفسه في الأداء مهما كانت الظروف بعد ما نزعت، خلال الدورات السابقة، أهم أسس الديمقراطية من النظام السياسي، فمن المتوقع أنْ يتكتل زعماء المحاصصة في جبهة صلبة تعرقل كل تغيير وتمنع الفائز في الانتخابات من التأثير على الاداء الحكومي إلّا إذا دخل اللعبة القديمة وانخرط في الممارسات الفاشلة ذاتها، وبالمثل تم تمييع دور المعارضة فحتى عمليات المراقبة البرلمانية وما يتبعها من استفسارات واستجواب هي رهن بمزاج ومصالح من يدير البرلمان وعلى المعترض أنْ يلجأ للفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لا أكثر، وهذا يعني أنّ الشخصيات والقوى التي تمثل المتظاهرين لن تتمكن من تحقيق أيّ هدف.منهج القوى الحاكمة سدّ الأفق أمام الخروج من المشكلات بطريقة تدفع إلى اليأس أحيانا من أيّة فرصة للإصلاح، وهو ما يعني تراكم الغضب الشعبي وفتح الفرص أمام العنف وتهديد السلم المجتمعي، وتضع مصير النظام كلّه على الحافة بسبب العناد والانفصال عن الواقع.