الموسيقى والحزن في غناء داخل حسن

الصفحة الاخيرة 2020/03/07
...

وجدان عبدالعزيز
الموسيقى عالم من الجمال، فهي فن يهتم بتأليف وايقاع وتوزيع الالحان، وطريقة الغناء والطرب، كما تُعدّ الموسيقى علماً يدرس أصول ومبادئ النغم من حيث التوافق أو الاختلاف، وفي الحقيقة، الموسيقى ليست كاللغة بالمعنى المفهوم، أي إنها لا تحمل أية دلالات، وعلى الرغم من ذلك فإننا نستجيب لها كأداة تواصل، لكن ليس لأنها صوت فقط، فنحن نسمع أصوات الضرب والاحتكاك طوال اليوم ولا يلحقنا ذات الأثر، ربما لهذا السبب تصوّر فريدريك نيتشة، الفيلسوف الألماني الأشهر، في كتابه "مولد التراجيديا"، أن الموسيقى هي شرط ترانسندالي سابق للغة، كذلك ربطها بما تعنيه "الإرادة"، بل ووضعها كصورة بدائية من وجودنا ذاته، وبذلك يكون التعرف إلى الموسيقى، بالنسبة لنيتشة، والتعرّف بها إلى العالم، هو تعرّف على ذواتنا و تكميل لها!، لذا هي تناغمت مع ذواتنا في احزاننا وافراحنا، والا لماذا بقينا نتناغم مع اصوات قديمة، لانها اصوات امتزجت بحزن مع الموسيقى فولدت تأثيراً واثراً لايمكن محوه، كما في صوت داخل حسن المولود في قضاء الشطرة العام 1909 التابع لمحافظة ذي قار، وكان يمتاز بحنجرة قوية ونفس طويل وكذلك بحة شجية في صوته تحمل في ثناياها الشجن والحنان، وكان صوته يمثل أوركسترا كاملة من الآلات الموسيقية، وكان يبث الشجن الدافئ في أعماق مستمعيه، حيث استخدم ذكاءه، رغم انه كان رجلاً أمياً يختار كلمات أغانيه التي تدخل الى قلوب مستمعيه، حيث غنى جميع الاطوار الغنائية الريفية، مثل الابوذية، والمحمداوي، والشطري، وكذلك الاهزوجات التراثية وغيرها ...وأثناء غنائه كان يظن المستمع والمشاهد، إنه يبكي ولا يغني لفرط ماتتغير ملامح وجهه تقطيباً وعبوساً، وخاصة عندما يبدأ بعصر حبات ( مسبحته )، اذ كلما زادت أحزانه وانفعالاته.
 اتخذ المسبحة جزءاً من الآلات الموسيقية التي ترافقه في الغناء، كان صوته يجمع رفيف نخيل الناصرية وغناء الصيادين وعمال الزوارق، وهدهدة الامهات وحزن الجنوب وصدق المشاعر، التي يتحلى بها ابن الجنوب، فكان داخل حسن يتناغم مع الموسيقى بحزنٍ عميق، يبث اجواءً تنجذب لها الذائقة، فتتأثر بها وتنحاز لها.. كون الحزن أحد صور العاطفة والمشاعر الإنسانية، فالحزن شيء فطري ينتاب كل البشر، عندما تقابلهم متاعب في هذه الحياة  ولا أحد يستثنى من ذلك، كحزن أم موسى وحزن سيدنا يعقوب وحزن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على قومه عندما لم يستجيبوا له، لذا ورث داخل حسن الحزن من التاريخ ومن محيطه في الناصرية، التي تعرضت لانواع من الهزات التاريخية الحزينة، لذا كان طابع غنائه حزيناً..