الرأسمال الرمزي والعنف الرمزي

آراء 2020/03/08
...

د. علي المرهج
الرأسمال الرمزي مصطلح استعاره عالم الاجتماع الفرنسي (بيار بورديو) من ماركس ليوظفه في مجالات مغايرة للتوظيف الماركسي، بحسب قدرته لتوظيف هذا المصطلح المكتنز بالطاقة التفسيرية والتوظيفية التي تخدم أصحاب النظرية السوسيومعرفية في فهم متغيرات الواقع الاجتماعي. 
ما يُميز بيار بورديو قدرته في فهم النظرية الماركسية في الوعي الطبقي، لذلك نجده يُتقن استعارة مفهوم رأس المال الذي وضعه ماركس للتعبير عن حجم الفارق بين طبقة وأخرى تحت ظل المجتمعات الرسمالية، لنجد بيار بورديو يُجيد نقل المصطلح من مجاله التداولي المتعارف عليه بحسب المنظومة الماركسية إلى مجال تداولي آخر تمكن فيه بورديو من جعله مفهوماً يُفسر لنا الفروقات الطبقية لا في مجالها التمايز في امتلاك رأس المال فقط، ولكنه جعل من مفهوم ماركس نظرية لفهم متغيرات الواقع وديناميكية الصراع في التمايز الطبقي ليس على أساس امتلاك رأس المال النقدي حسب، بل يمكن أن يكون هناك تمايز طبقي على أساس المنزلة الاجتماعية التي تمكن فرداً ما من الحصول عليها في وسطه الاجتماعي، كأن تكون منزلة اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو الثقافية والأيديولوجية، ولربما تجتمع هذه كلها 
في رمزية واحدة. 
من يمتلك رأس المال الرمزي له القدرة على التأثير في وسطه الاجتماعي لأنّه تمكن من كسب اعتراف الجماعة بمكانته الاجتماعية، ومن امتلك المنزلة الدينية، في مجتمعات مثل مجتمعاتنا، تمكن من جمع الشكلين من رأس المال النقدي ورأس المال الرمزي.
رأس المال الرمزي هو حاصل ما كسبه بعض الأفراد في تفانيهم في العمل الثقافي والديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي وحتى الثقافي في نزوعه الأيديولوجي، ليجعلوا الآخرين يعترفون بما قدموا لهم، فيضعوهم بمكانة اجتماعية مُميزة، فيكونوا في المقدمة.
هؤلاء الذين تمكنوا من كسب ثقة أغلبية الناس إنّما هم يفرضون شكلاً من أشكال تصورهم القيمي والأيديولوجي والعقائدي في فهم الواقع وتفسيره، ليجعلوا من تصورهم منهجاً في التفسير لا التأويل للسيطرة على التابعين عبر ممارسات لغوية وترسيمات تشكيلية وتوظيف مسرحي للموروث العقائدي في إعادة بناء اللغة والتمسك بالميثولوجيا بما يجعلها تبدو وكأنها من موروثات (الفلكلور الشعبي)! 
لتجد في تصدير مشهدية هذا (الفلكلور) مصادرة لكل تمظهرات التنوع الثقافي، وهو في مجمله تعبير طقوسي وشعائري يحمل في طياته رسالة لآخر مختلف عقائدياً وأيديولوجياً أنّه لا حضور له ولا تأثير وينبغي عليه حينما يكون الرفض تعبيراً عن وجوده فعليه أن يصمت! 
فلا قدرة له وفق تغول جماعات التصدير للعنف في الوسط الاجتماعي العراقي، لأنّ هذه الجماعات تُجيد ممارسة العنف خارج وجود نطاق الدولة، فكلما قويت شوكتها ضعفت الدولة، لذا نجد أنّ أغلب جماعات (العنف الرمزي) يمارسون نوعاً من (العنف الرمزي) والثقافي لفرط ما فيهم لحب الذات وإقصاء الآخر، وما أدلّ على ذلك وأبيَن من ممارسات الجماعات المتشددة في العراق اليوم 
لـ (العنف الرمزي) الواضح في فرضهم نمطا من التفكير المذهبي والطائفي على آخرين مغايرين لهم في الانتماء المذهبي مشاركون لهم في الانتماء الوطني.
أعتقد أنّ كل ممارسة للـ (العنف الرمزي) نجد في قصدية أصحابها ما يشي بما لا يعلنون عنه لأنّهم المنتصرون، وفي سلوك وتفكير المنتصرين إعلان وتباهٍ وتعالٍ على أنّهم من طبقة مخلوقة من معدن مائز، مثل: الماس أو الذهب، وغيرهم تابعون من معادن خسيسة مثل: النحاس أو 
القصدير!
يُظهر أصحاب رأس المال الرمزي تميزهم الثقافي والقيمي بما يشي أنّ هناك أناساً حباهم الله وأكرمهم بقدرة عقلية ومهارات 
نقدية!
كذّب ثم كذّب حتى يُصدقك الناس، وربما من كثرة كذبك وما ترتب على كذبك من تصديق آخرين يثقون بك لكذبتك، تصل لمعتقد أنك
الأميز!
في عراقنا الحالي صرنا نرى (العنف الرمزي) ومعه (العنف المادي).
العنف الرمزي يتجلى حضوره في سلوكياتنا ومعارفنا الموروثة والمكتسبة من وسطنا الاجتماعي، وكلما ازداد الفرد وعياً كلما صار أقرب لذاته، خارج ذوات الآخرين في سعيه لتنمية الرأس مال النقدي، بل حتى رأس المال الرمزي، وإن منحه الآخرون هذا الرأس مال واعترفوا له بمكانة مائزة وقيمة اجتماعية بفضل ما يتمتع به من صفات ليست متوفرة في الجميع.
من تداعيات رأس المال الرمزي شيوع العنف الرمزي الذي - ربما - يوظف من ذاع صيته وفرض هيبته رمزيته هذه في تغيير سلوك كثير من مؤيديه واتباعه للخروج عن نمط السلوك المجتمعي السائد إيماناً منهم برمزيته.
وقد تجد بسطاء الناس الذي يهيمون برمزية شخص ما يُضحون بمالهم وأنفسهم لا لأنّهم يعون عقلياً ما يدعوهم له، بل لأنّهم مؤمنون بأنّه الشخص القادر على تحقيق الخلاص لهم والوصول لحلمهم بعالم أمثل كما يظنون.