محمد شريف أبو ميسم
القرارات التي اتُّخذت، مؤخرا، بشأن الحد من انتشار فيروس "كورونا"، تتخطى مستوى الخطوات الأولى في سياق ما يسمى بإدارة الأزمات، ما يعني أنّ البلاد إزاء ملامح أزمة صحية قد تتفاقم، لا سامح الله، ما لم يتم تحديد الخطوات الإجرائية اللاحقة بالطرق العلمية التي تأخذ بنظر الاعتبار التداعيات المحتملة للأزمة وللخطوات الإجرائية بالوقت نفسه، في سياقها الزمني.
ولأنّ هذه الأزمة هي وبائية عالمية، فإنّ الإجراءات الأولية شملت إيقاف حركة التبادل التجاري في المنافذ البرية مع الدول المجاورة التي أعلنت عن ظهور الفيروس، واشتراط عملية التبادل التجاري بالمنافذ البحرية والجوية بجلب شهادة صحية، فضلا عن اجراءات محلية تتعلق بتقليص التواجد في المحال التجارية والمؤسسية عبر اعتماد العمل بالتناوب بنسبة 50 بالمئة من العاملين في المؤسسات وغلق بعض المحلات العامة والخاصة المكتظة، بجانب بالخطوات الاجرائية الأخرى. ولأنّنا ما زلنا نعيش مرحلة استثنائية فرضتها علينا التحولات السياسية وتداعياتها منذ سنوات، لا بدّ لنا، أولا، الاعتراف بإمكانيات تطبيق الإجراءات على وفق الأداء المؤسسي المتاح ومدى الالتزام الجماهيري بها، ما يتطلب دعما إجرائيا مضافا لما قد ينجم عن بعض التطبيقات على حركة السوق ومجمل الحياة المجتمعية، خصوصا وأنّ تجاربنا مع الأزمات المتلاحقة التي شهدتها البلاد أفرزت لنا حالة عدم الانضباط في عموم الحلقات الإجرائية، وتكرار نقاط الضعف فيها، مع اعتماد الحلول القائمة على ردات الفعل والاجتهادات الفردية. ومع أننا بطور التحول نحو اقتصاد السوق، الذي يترك أسعار السلع والخدمات لآلياته في ظل انتاج محلي لا يغطي أكثر من 10 بالمئة من حاجة الطلب الكلي، فإنّ المطالبة بتدخل الدولة للحفاظ على ثبات الأسعار وحماية شرائح مجتمعية كبيرة من استغلال ضعاف النفوس، قد تكون غير منسجمة مع واقع التحول، إلّا أنّ طبيعة الأزمة هنا، تفرض علينا طلب التدخل في التوقيتات الزمنية لإدارة الأزمة على أقل تقدير، إذا علمنا أنّ أغلب الشرائح المجتمعية تزاول نشاطاتها الاقتصادية وتسد شأفة الفقر عبر ما تحصل عليه بشكل يومي مستغلة التجمعات السكانية اعتمادا على نشاطات ما يسمى باقتصاد الظل، بمعنى أنّ مستويات دخولها ستتأثر مسبقا باجراءات فض التجمعات أوالتقليل منها، وبالتالي انحسار الطلب على نشاطات الحرف والمهن بكل أشكالها.
ما يقال بشأن انتهاء الأزمة مع ارتفاع درجة الحرارة وعدم الخوض في دائرة الاحتمالات، وترك التوقعات خارج البعد الاستراتيجي لما يمكن أن تؤول اليه المعطيات، ومن دون النظر بكيفية التعاطي مع استمرار الأزمة أو تفاقمها، لا سامح الله، يمكن أن يفضي الى عواقب سلبية، ونخص قطاع التعليم وما يمكن أن يؤول اليه مصير الطلبة في سنة تعليمية اكتنفتها التلكؤات، فإنّ الجهات ذات العلاقة مطالبة بالاجتهاد وابتكار أساليب تعليمية عن بعد، كأن توظف القنوات الفضائية لشبكة الإعلام العراقي والقنوات الفضائية التابعة للحكومات المحلية لتكون قنوات تعليمية بامتياز، وفق برنامج ممنهج بعلمية يلزم الطلبة بالمتابعة وفرض الواجبات وتحديد مواعيد الامتحانات في مدارسهم بالتعاقب لخمسة بالمئة يوميا من الطلبة "مثلا" في إطار برنامج زمني يضمن استمرار دوام الكوادر التدريسية، وفرض وصايتها على حركة الطلبة، بينما يمكن للجامعات أن توظف مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد عرف العالم مفهوم التغلب على الأزمات من خلال التعاطي العلمي معها، فكان علم إدارة الأزمات، الذي بشّر بإمكانية توظيف الأزمة وتحويلها الى منجز يمكن أن يفضي الى منعطف جديد أكثر نفعا مما كانت الحال عليه، فهل لنا أن نستغل هذه الأزمة ونعيد الثقة بأدائنا المؤسسي.