التعليم الالكتروني في الوقت الضائع!

آراء 2020/03/10
...

  د.محمد فلحي
 
أعلنت وزارة التربية إطلاق منصة تعليمية ألكترونية سوف تعمل على تعويض المواد الدراسية للطلبة خلال مدة الانقطاع التي نجمت عن الظروف الاستثنائية، وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد دعت لتفعيل التعليم الألكتروني منذ بداية العام الدراسي الحالي، وأكدت، خلال الأيام الماضية، ضرورة استمرار التواصل العلمي الالكتروني التفاعلي بين الأساتذة والطلبة خلال ظروف التعطيل الطارئة.
  العملية التعليمية في العراق تأثرت، منذ سنوات عدة، بظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني، ولكن العام الدراسي الحالي تعرض لظروف قاهرة حرمت الكثير من الطلبة من الدراسة المنتظمة، وبخاصة في المحافظات التي تشهد تظاهرات مستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر، وأغلب المشاركين فيها، كما هو معروف، من طلبة المرحلتين الثانوية والجامعية، ثم جاءت أزمة فيروس كورونا لتوجه ضربة قاسية غير متوقعة للتعليم، نتيجة تعطيل الدراسة لأغراض وقائية خشية انتشار الوباء الجديد، وذلك في توقيت حرج يكاد يضيع فرصة العودة إلى مقاعد الدراسة. هذه التحديات جعلت الدعوات تتزايد من قبل المختصين من أجل البحث عن وسائل بديلة لإنقاذ التعليم من أزماته ومعوقاته، وبخاصة في ظل  ظروف التعطيل والانقطاع، ولا شك أنّ البديل الأفضل المتاح حالياً هو التعليم الألكتروني، الذي يمثّل ثورة معرفية وعلمية جديدة، شهدها العالم  منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، لكن العراق لم يستطع الاندماج بهذه البيئة الألكترونية حتى اليوم ولم يستفد من منجزاتها الهائلة، وظل النظام التعليمي السائد يعتمد الأطر التقليدية التلقينية، وقد استفزت الظروف الحالية القدرات الكامنة في العقول العاملة في هذا القطاع، وكشفت عن بعض المبادرات والمشاريع في المدارس والجامعات لتفعيل نظام التعليم الألكتروني ومحاولة ربطه مع النظام التقليدي لإنقاذه في الوقت الضائع!
قد يبدو مفهوم التعليم الألكتروني جديداً، وهو جزء من ثورة تقنيات المعلومات وشبكة الإنترنت، لكن خطواته التمهيدية تعود إلى بدايات القرن العشرين إذ استخدمت الإذاعة المسموعة (الراديو) كوسيلة تعليمية لمخاطبة المتعلمين عن بعد، ثم جاء التلفزيون بخصائصه الاتصالية المعروفة، وأبرزها التكامل بين الصوت والصورة، ليضيف تجربة تعليمية مهمة تمثلت بقنوات التلفزيون التربوي والتعليمي التي لا تزال فاعلة في كثير من الدول، لكن مفهوم التعليم الألكتروني المعاصر يقوم على استخدام الوسائط الألكترونية المتعددة والتفاعلية عبر الكومبيوتر والإنترنت في الاتصال بين المعلمين والمتعلمين، وبين المتعلمين والمؤسسة التعليمية، وقد ظهرت عدة مصطلحات باللغة الإنجليزية حول هذا المفهوم من أهمها: 
Online Education),( Web Based Education),( Electronic) Education)
إنّ من أهم خصائص التعليم الألكتروني:
1 - توسيع مفهوم عملية التعليم والتعلم لتتجاوز الحدود الجغرافية وجدران الفصل التقليدي إلى بيئة اتصالية معلوماتية غنية متعددة المصادر، وتلعب تقنيات التعليم التفاعلي عن بعد دوراً أساسياً تعاد فيه صياغة دور كل من المعلم والمتعلم، فيكون المعلم مشرفاً وموجهاً، في حين ينشط المتعلم ويتفاعل ويتابع ويبدع.
2 - يعتمد التعليم الألكتروني على تقنية الكومبيوتر والإنترنت في دعم واختيار وإدارة عملية التعليم والتعلم والاختبارات والدرجات، وذلك عبر بوابات أو مواقع تعليمية متخصصة مثل نظام MODLLE   أو نظام CLASS ROOM فضلاً عن مواقع المدارس والجامعات الألكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي، وكل من هذه البوابات توفر خدمات ومزايا متعددة تسمح بالتواصل النشيط وتبادل المعلومات الفوري بين المعلم والمتعلم خارج حواجز الزمان والمكان.
3 - التعليم الألكتروني ليس بديلاً للمعلم بل يعزز دوره كمشرف وموجه، وهو لا يلغي المؤسسة التعليمية، لكنه يتخطى جدران الصف الدراسي التقليدي، ويوصل المادة التعليمية بطريقة جذابة إلى المتلقي، وذلك عبر التطبيقات والبرامج الحاسوبية، سواء كانت نصوصا أو صورا أو أصواتا أو أفلاما، ودمجها في ما يسمى الوسائط المتعددة (MULTI MEDIA) باستخدام الشاشات الذكية والأجهزة اللوحية والهواتف، فيكون التواصل والتفاعل مستمراً وساخناً طوال الوقت الذي يختاره المستفيدون!
4 - إنّ الحاجة إلى التعليم الإلكتروني باتت مستمرة سواء في الظروف الاعتيادية أم الطارئة، لكنها تشتد في أوقات الأزمات التي تمنع الأستاذ والطالب من اللقاء المباشر، لأسباب أمنية أو صحية مثلاً، وقد تكون حلاً بديلاً لنقص الكوادر التدريسية أو عدم توفر البنايات أو نقص الأموال! 
    في بلدنا الذي يعاني من أزمات مستمرة، وهدر في الثروات والأوقات، هناك الكثير من المعوقات التي تجعل من تجربة التعليم الألكتروني ليست حلاً سحرياً كما يتخيل بعض المعنيين، فهي تتطلب، قبل كل شيء، تدريب المعلم والمتعلم على الدخول إلى البيئة الألكترونية التعليمية، وكيفية استخدامها، وذلك بعد إقناعهم بفوائدها، ومن ثم توفير المستلزمات التقنية والأجهزة المطلوبة، التي تعمل من خلال خدمة الإنترنت العالية السرعة، وأن الإتصال المستمر بشبكة الإنترنت يشكل العصب الرئيس المحرك للعملية كلها، فهل مؤسساتنا التربوية والتعليمية مستعدة لهذا التحول أم أنّها لا تزال تعاني من الإدارة البيروقراطية الورقية، ولا تزال ملاكاتها التعليمية مترددة في اقتحام هذا الميدان؟
وعلينا أن نتساءل أخيراً، متى تعيد وزارتا التربية والتعليم العالي النظر  في معايير الاعتراف العلمي بالمؤسسات التعليمية والجامعات الألكترونية التي ما تزال تعتبرها نوعاً من التعليم عن بعد أو بالمراسلة، وتطبق عليها قرارات صدرت قبل نحو نصف قرن في حرمان طلبتها من شهاداتهم العلمية، رغم أن العالم كله يسير نحو التعليم الإلكتروني في عصر طوفان المعلومات؟