في أدبيات الإعلام وعلم الاجتماع، إنّ صاحب الكلمة الأولى هو الذي يتم تصديقه وينتشر ما يروجه وإنْ نافى ما يقوله الحقيقة أو المنطق العلمي والعقلي، وهذا الأمر كثيرا ما ينجح خلال الأزمات والحروب، فتنتشر الشائعات والأقاويل والأخبار الكاذبة التي قد تصدقها بعض وسائل الإعلام وتعيد نشرها وبثها على أنّها حقائق.
عدم تواصل المؤسسات الرسمية مع الجمهور، وغياب الشفافية، وبطء الاستجابة لما يروج من شائعات، يفسح المجال واسعا على انتشارها، وهذا الأمر قد يهدد الأمن الوطني والمجتمعي، وقد يسبب اضطرابات اقتصادية وارتفاعا في أسعار أنواع محددة من البضائع والمنتجات بسبب انجرار الجمهور مع الأخبار الكاذبة التي يكون مصدرها مجهولا في الغالب، ويرددها الكثير من بسطاء الناس، أو محدودي الثقافة، التي قد تجد صداها في بعض وسائل الإعلام التي من المفترض أنّها تتقصّى الحقائق والمعلومات من مصدرها حفاظا على مصداقيتها والمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها في نشر الثقافة والوعي بين المواطنين، وتتضاعف هذه المسؤولية في أوقات الاضطرابات والحروب والأزمات مثلما يحصل مع الأوبئة والأمراض، كمرض كورونا الذي اجتاح العديد من الدول ومنها بلدنا، وهذا الأمر يحتاج الى تعاون وتضافر جهود المؤسسات الحكومية متمثلة بخلية الأزمة التي تم تشكيلها لهذا الغرض مع وسائل الإعلام بغية تزويدهم بالمعلومات الصحيحة والتفصيلية التي تقتل أيّة شائعة في مهدها، وإنّ الصمت الإعلامي وعدم التفاعل الجدّي من قبل المسؤولين والناطقين الإعلاميين مع وسائل الإعلام والجمهور قد يسبب وينعش الشائعات واتساعها، وقد لا تجد بيانات النفي آذانا صاغية لأنّ الكلمة الأولى أخذت مدياتها الكبيرة في الانتشار.
هناك كمّ هائل من المعلومات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة الفيسبوك، عن مرض كورونا، وإنّ الكثير منها غير صحيحة وليست ذات مصداقية، يتم تداولها على أنّها حقائق علمية راسخة، بل الأدهى والأمرّ، يتم إعادة نشرها وبثها من الجمهور لتصل إلى بعض وسائل الإعلام التي تعيد هي الأخرى بثّها ونشرها من دون التأكّد من صحتها، أو على الأقل الرجوع إلى خلية الأزمة لأخذ المعلومات منها لأنّها الوحيدة المخولة في التصريح بهذا الأمر وهي الوحيدة التي لديها معلومات تفصيلية وواقعية عن هذا المرض وطرق الوقاية منه.
المؤسسات الإعلامية الرصينة لا تتسرع في بثّ أيّ خبر من دون التأكّد من صحته لأنّ نشر اعتذار أو تصحيح يفقدها الكثير من مصداقيتها، بل إنّ بعض وكالات الأنباء تفتخر بأنّها طيلة مسيرتها المهنية التي قد تتجاوز المئة سنة لم تنشر اعتذارا واحدا عن خبر بثته، في حين أنّ وسائل إعلام محلية تنشر في اليوم الواحد العديد من العواجل عن مصادر مطّلعة كما تدّعي يثبت خلال ساعات عدم صحتها وتكذيبها ممّا يفقد المواطن ثقته لما تبثه الفضائيات والإذاعات والصحف والوكالات والمواقع الألكترونية التي تعد مصدرا مهما ورئيسا للحصول على المعلومات خلال أوقات
الأزمات.