لأول مرّة يتزامن المحلّي بالعالمي منذ عقود. جائحة واكبت مسار الشمس هذه المرّة، لتنشر قطيرات وبائها القادم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. ورغم ما يوفره هذا التأزم العولمي المباغت من عزاء عبر نوع الشراكة الإنسانية في الأسى والفقدان، إلّا أنّ قراءة موقف المثقف العراقي تباين مجاوراتها من مواقف عربية بدرجة أخفّ وعالمية بشكل بائن الاختلاف.
من الضروري ملاحظة تركّز وسائل التبادل المعلوماتي مثل كل أزمة عراقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخالية من الرقابة،أو التأنيب إلى حدّ كبير، فلا معيار لانثيال تناقل الشائعات أو الأخبار المثيرة للهلع، ولا حاجز يحجب من يتصدى لتصريحات وتحليلات خارج تخصصه. المراهنة على إيقاد هشيم الخوف اليابس في نفوس الجميع هو وظيفة الكثير من مرجفي هذه الأوضاع العصيبة دائما، وقد يمضي الأمر إلى أعد من ذلك كثيراً إذ تفوح رائحة التشفّي لدى بعضهم عند كل نازلة. لقد مررنا بتجربة مريرة في مواجهة الإرهاب، ووجدنا هذا الفضاء الأزرق الموحي بالسلام والسكينة الظاهرة يستبطن مرتعاً للتوظيف الآسن من صناع الرعب والكراهية والموت. لم نجد في تلك الأيام المرّة، ولا في أيامنا الحاضرة التي لا تقل مرارة وقلقاً، لم نجد مثقفنا العراقي يرتقي فوق لوثة الشائعة والجائحة والميل العاطفي أو الطائفي ممّا قد يمثل بوصلة رائقة لغيره ممّن يبحثون عن صوت حكيم ومستشرف ومائل نحو إنسانيته ووطنيته،إلّا منْ رحم ربي!
وفي الوقت الذي يحسب لأفراد معروفين هذه الأيام موقفهم الطبي المتخصص أو السياسي المتابع بحرص من الذين جنّدوا كلماتهم من أجل إضاءة الليل الذي يقتحم حياة الأفراد والمجتمع والوطن، وخففوا من خلال إيضاحاتهم وعورة الهول الذي تنفثه ليل نهار نفوس شاذّة مارست ذات الرعب والتهويل قبل الآن، وأربكت وأدلست ما شاء لها الظرف سابقا وحاضراً. كنت أتمنى لشريحة أكبر من المثقفين العراقين أن يقوموا بهذا الواجب الذي يقي من التهويل والتهوين على حدّ سواء. الثقافة ليست أدباً وشعراً وجمهوراً يستجيب ويثني على خلجاتك المدونة نثرا أو شعرا، الثقافة موقف إنساني وأخلاقي ووطني كبير، يتجلى حتماً في أوقات محددة من الحياة أو المحنة الشخصية والجماعية. مهمة المثقف تتلخص في إدراكه أنّه ليس فرداً في مجتمعه، بل إنّه وتدٌ في هذا المجتمع زمن العاصفة، عليه تقع مسؤولية مضاعفة في مضاعفة الأمل وتمحيص الحقيقة والخبر والتعقيب على كل ما يطرأ من وجهة نظر مؤكدة تسعى إلى تدعيم عوامل التماسك والتطمين بذات الزخم الذي يكون فيه صوتاً للعدالة والحرية، هي مهمة لا تختلف عن مهمة الطبيب ورجل الأمن ورجال الجيش، كل حسبموقعه. لكن للمثقف ميزة الإمساك بما هو روحي وعقلي ليحمي المجتمع من الداخل ويقوم بتحصينه من كل جائحة أو جانحة، فالتلاعب المعلوماتي أو النفسي هما عاملان لا يقلّان فتكاً وعدوى من أيّ إرهاب أو وباء عالمي أو محلي.