فيروس {كورونا} يلتهم سوقَ الكتاب العراقي

ثقافة 2020/04/01
...

البصرة/ صفاء ذياب
 
التجهيزات الكبيرة التي أقدمت عليها دور النشر العربيّة عموماً، والعراقيّة على وجه الخصوص، استعداداً للمشاركة بالمعارض العربيّة، ومنها معرض بغداد الدولي للكتاب، باختيارها العناوين التي ستشارك فيها، وتحرير تلك العناوين وتصميمها وإرسالها للمطابع داخل العراق وخارجه.

كل هذه التجهيزات كان مصيرها التوقف في المرحلة الأخيرة من العمل، بسبب جائحة فيروس" كورونا"، التي جاءت بغتةً ومن دون سابق إنذار.. فمعرض بغداد الدولي للكتاب، على سبيل المثال، الذي كان من المؤّمل إقامته في منتصف شهر شباط الماضي، لكنّه أجّل لشهر آذار أولاً، ونيسان أخيراً، لم يقم، والأمر نفسه مع معارض تونس والبحرين والرياض وغيرها من المعارض، 
فضلاً عن اضطرار دور النشر والمكتبات العراقيّة إلى إغلاق أبوابها، أدى هذا كله لتغيير حسابات الناشرين للوقوف أمام هذا الانهيار الاقتصادي، على الرغم من أن الوضع الاقتصادي لأغلب دور النشر لم يكن مطمئناً في الشهور الماضية بسبب الخلل الذي حدث في السوق العراقيّة منذ أكثر من خمسة أشهر..
لكن، ما الذي ينتظره الناشرون؟ وكيف يمكن مجابهة واقعهم الاقتصادي في ظل هذه الأزمات؟
 
الأمل القادم
الدكتور عبد الوهاب الراضي؛ رئيس اتحاد الناشرين العراقيين، ومدير دار الكتب العلميّة، يقول: إننا كلنا يعلم ما حلَّ في العالم أجمع نتيجة تفشّي هذا الوباء من أضرار اقتصاديّة جسيمة على مستوى الدول وعلى مستوى الشركات والمشاريع الفرديّة، ومنها قطّاعنا في مجال النشر وبيع الكتب، وهي مشكلة بدأ يعاني منها الناشرون في العالم، ولاسيما في عالمنا العربي الذي يعتمد على التسويق من خلال معارض الكتب، فضلاً عن المعاناة التي كانت موجودة  في مصر ولبنان وسوريا
والأردن.
لكن الراضي، وعلى الرغم من هذه الأوضاع، مشبّعٌ بالأمل، لأن عالم النشر مرّ بسنوات عصيبة أكثر مما نمر به الآن، على حدِّ قوله، فـ" المكتبات ستعود إلى ازدهارها وعملها اعتماداً على مبدا ثابت وهو أن العراقي لا يمكنه الابتعاد عن القراءة حتى في أحلك وأشد الظروف الاقتصاديّة التي مر بها بلدنا"، مؤكّداً أن القارئ العراقي يعمل المستحيل في سبيل اقتناء كتاب كغذاء روحي ولبناء شخصيته وتوسيع دائرة معارفه العلميّة والأدبيّة.
 
عام الخسائر
من جانبه، يبين حسين مايع، الأمين العام لاتحاد الناشرين العراقيين ومدير دار قناديل، أن ما معروف الآن بانهيار سوق الكتاب عراقياً وعربياً بدأ منذ عام كامل، فمنذ آيار الماضي بدأ السوق بالتراجع؛ بسبب المناخ القاسي لصيف 2019 الذي مر بالعراق، ما أدى لانقطاع الناس عن المكتبات بشكلٍ شبه كامل.
ويضيف مايع أن هذا الركود الصيفي قد تعوّد الناشر عليه كل عام، إذ بدأ السوق بالانتعاش مع شهر أيلول، حيث بدء العام الدراسي واعتدال المناخ، إلا ان هذا الموسم لم يكن كسابقاته، فما إن بدأت حركة السوق حتى بدأت التظاهرات في الأول من تشرين الأول 2019 ليعود السوق إلى التوقّف مجدّداً؛ لقرب أغلب المكتبات من ساحة التحرير، ولقطع الطرق، ولتخوّف كثير من القرّاء من زيارة المكتبات، حرصاً منهم على ادخار ما يملكون خوفاً من القادم المجهول، وكل هذه الأزمة كادت تنتهي لو لا هجمة فيروس" كورونا" الذي أجهز على سوق الكتاب بعد عام من العذاب ليرديه قتيلاً.
وهذه العوامل- حسب مايع- ليست وحدها من أوصلت الكتاب إلى هذا الحال، بل هنالك عوامل أخرى ليست بالجديدة، منها: التزوير.. وهي عملية تصوير- استنساخ- الكتب وبيعها من دون حقوق من الناشر أو المؤلف أو المترجم، فضلاً عن القرصنة الإلكترونيّة... كل هذا يحدث وسط غياب الدعم والرعاية من قِبل الجهات المسؤولة، بخلاف أغلب حكومات العالم التي تعدُّ قطّاع النشر من أهم واجهات البلد
الثقافيّة.
ويعتقد مايع أن انتعاش سوق الكتاب يرتبط بالوضع الصحي والاقتصادي للبلد، فإذا ما انتهى الفيروس ولم تحدث أزمة اقتصاديّة، فإن الكتاب سيعود إلى الواجهة.
التفكير بحلول
ولا يخفي بلال محسن، مدير دار سطور، سراً من أن مشاركة دور النشر العراقية في المعارض العربيّة والداخليّة دفعت عملية النشر إلى الأمام واسهمت مساهمة واضحة في إثراء سوق الكتاب العراقي من خلال مساحة التوزيع العربيّة وإيصال المطبوع العراقي عربياً، مكتسبات الناشر من دورة المعارض السنويّة عديدة منها: 1 - اكتسب الناشر العراقي خبرة في انتقاء العناوين ودراسة مزاج القارئ العربي.
2 - المساهمة في محاربة عمليات القرصنة من خلال توريد الكتب الأصليّة بأسعار مقبولة. 3 - الاهتمام بالمطبوع من حيث الأغلفة والإخراج كي يكون المطبوع 
مقبولا.
مضيفاً أن تأجيل إقامة المعارض سيربك عمل دور النشر العراقية والعربية في الفقرات أعلاه، لذا من الضروري التفكير بإيجاد حلول سريعة لإنقاذ دور النشر من عملية انهيار اقتصادي بسبب توقف أهم المعارض الداخليّة والخارجيّة، تداعيات الأزمة سترمي بظلالها على ميزانية الناشر السنوية وستؤثّر بشكل مباشر في حجم المطبوعات السنوية، فعلى وزارة الثقافة والجهات المنظمة غير الحكوميّة المعنيّة بالكتاب والناشر المحاولة على ترتيب عمليّة النشر في العراق من خلال إقامة معارض كتب محلية في الجامعات العراقيّة، إضافة إلى وجود شارع المتنبي كسوق للتوزيع والنشر... ويأمل بلال محسن أن تنتهي أزمة فيروس" كرونا" وتعاود معارضُ الكتب في المدن 
العربيّة حتى نعاود نشاطنا.
 
اقتصاديّاتُ الناشرُ
ويشير الدكتور صلال المرهج، مدير دار المرهج، إلى أن وضع النشر في العراق صعبٌ جدّاً، حاله حال الوضع العراقي، فهذه السنة كانت حافلةً بالأحداث التي أثّرت بشكلٍ مباشرٍ في الحياة العامة وعلى الوضع الاقتصادي والصناعي والتجاري لعموم القطاعات، وكان أول المتأثرين بهذه الأحداث قطاعَ النشر، لأننا نبحثُ عن متطلباته الأساسيّة من مأكلٍ وملبسٍ ومشربٍ وسكنٍ ثم المسائلُ الأخرى، أيضاً فإن جزءاً كبيراً من العمليّة مرتبطٌ بإقرار الموازنة لأنها أمرٌ مهمٌ في تنشيط الوضع الاقتصادي في البلد، وبالتالي ينعكس
إيجاباً على وضع النشر.
ولا ينسى المرهج أن الناشرَ، عندما لا يستطيع أن يحققَ مبيعاتٍ جيدةً، فإن هذا سيؤدي إلى استنزافِ أموالِهِ في كتبٍ مطبوعةٍ سلفاً، وعليه لا يمكن له أن يستمر في عمليّة ِالنشرِ التي تحتاج إلى مبالغّ ليست بالقليلة.
ويطالبُ المرهج بتدخّل الدولةِ في النهوض بهذا القطاع الذي ازدهر في المدّة الماضيّة، وكان له الأثر الواضح في تغيير النظرة للكتاب العراقي في المعارض العربيّة، من حيث الاخراج والتصميم واختيار الموضوعات، من خلال مساعدة هذه الشريحة في بلورة الوضع الثقافي في البلد وخارجه بإعطاء قروضٍ ميسرةٍ بفوائدَ بسيطةٍ أو تزودها بالورقِ اللازم بأسعارٍ مدعومةٍ، وإلا فإن الوضع سيكون صعباً للغاية.
 
البحث عن حكومة
ويرى علي الطوكي، مدير دار درابين الكتب، أن من ضمن تداعيات فيروس" كورونا" تأثّر سوق الكتاب، إذ تعدّ المعارضُ السنويةُ المكسبَ الوحيدَ الجيدَ بخصوص توزيع الكتاب، حيث يستطيع الناشر العربي والعراقي أن يسوّقَ إصداراتِه في هذه المعارض، التي سوف تساعد الناشرَ من أجل الاستمرار والديمومة بصناعة الكتاب، لكن ما حدث هذا العام للأسف توقّف المعارض وأغلب جوانب الحياة مما يؤثّر سلباً في صناعة الكتب، لاسيما الكثير من الناشرين لديهم التزاماتٌ 
ماديةٌ.. 
كما لا ننسى أن سوق الكتاب في العراق وفي أغلب الدول العربيّة في تراجع من حيث القراءة، وهذه كلّها عوامل مؤثّرة ستؤثّر وتأخّر عملية النشر وتسبّب الخسائرَ للناشر.
لذا نطالب الحكومة بالنظر إلى الناشر وأصحاب المكتبات من خلال دعم هذا المجال سواء من خلال شراء المصادر للجامعات ودوائر الدولة من هذا السوق أو تقديم سلف للناشر من دون تعقيدٍ من خلال التعاون مع المصارف، حتى يستطيعَ الناشرُ وأصحابُ المكتبات الاستمرارَ بهذا العمل المهم الذي له دورٌ مهمٌ في تشكيلِ الوعي لدى
الفرد.