د. عذراء ناصر
تقدم هذه المقالة تعريفاً مختصراً بكتاب"مختارات من الشعر الإيراني الحديث: مجموعة من الشعراء الإيرانيين" تقديم الشاعر والمترجم موسى بيدج و مراجعة أ. عبد القادر عقيل المنشور في طهران 2006 تحت عنوان" شعر امروز ايران" وتمت إعادة نشره ضمن سلسلة إبداعات عالميّة التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب– الكويت العدد 374 تشرين الاول 2008. التعرف على هذا الكتاب اشعل شغف المعرفة بالأماكن، فكتابته ونشره بين إيران والكويت،
اول المعرفة على الجارة إيران كان في طفولتي، فهي رفيقة الحدود والسواتر وحرب الثماني سنوات واصبحت في المستقبل جزءا من شغف دراسة أدب الحرب، أما الكويت فلم تكن في مخيلتي الا البلاد الجارة التي إندلعت من أجلها حرب الخليج عام 1991، حتى عام 1995 عندما فاجئتنا استاذة مادة اللغة العربية المتحمسة دوما، التي تفتتح محاضرتها بالجلوس على الكرسي جوار باب قاعة الصف، ثم ترخي حجابها حتى يسقط على اطراف اكتافها منطلقةً في درس الأدب، مادحةً السياب وعظمة الشعر الذي خرج من بين يديه في الأربعينيات من القرن
الماضي. وهنا عليَّ أن أذكر أنني حتى هذه اللحظة لم أكن اتصور أنني سأكتب القرن الماضي قاصدة القرن العشرين كأننا تركنا حيواتنا هناك و ما غادرناه أبداً، تنطلق استاذة الأدب بسؤال "هل تعرفون أكثر البلاد العربية في حرية التعبير في الصحافة؟!" ثم تجيب بعد أن يعم الصمت قاعة الدرس حيث لا وجود لكلمة حريّة في درس لتعليم البنات في عراق تسعينات القرن الماضي"إنها الكويت يا بنات، الكويت".
وتمر السنوات وتقع بين يدي نسخة كتاب مختارات من الشعر الإيراني صادراً من سلسلة أدبية في الكويت. الكتاب الصادر ضمن السلسة الأدبية يعرض مجموعة أعمال مترجمة لشعراء إيرانيين هم نخبة شعراء القرن العشرين المؤثرين والمتأثرين بحركات الشعر الحديثة بمقدمة لمترجم النصوص الشاعر موسى بيدج بعنوان"إرهاصات
التجديد".
وموسى بيدج المولود في جيلان على الحدود العراقية الإيرانية عام 1956 والحاصل على الدكتوراه في الأدب العربي هو مترجم أنشودة المطر للسياب وكتاب"شعراء في المنفى" وهي ترجمة لأكثر من عشرين شاعراً عراقياً إلى الفارسية، اضافة إلى ما يقارب الخمسين كتاباً مترجماً من وإلى العربية، بيدج يكتب بالفارسية والعربية ونشرت له خمس مجموعات شعريّة ومجموعات قصصيّة، يؤكد أنه ما زال"يحاول" بالترجمة نقل الصورة الشعرية"بما يتيسر لي، بصور بديلة من اللغة المنقول اليها" في حوار معه أجرته نسرين الدهني لمجلة جسور، ديسمبر 2019، موضحا أنه يتفق مع مقولة الجاحظ التي يقتبسها"إن القصيدة لا تترجم لأنها ستفقد الدهشة" لكنه يقول"احاول مع القصيدة التي ترسم لنا أزهاراً و أشجاراً و عيوناً وشجوناً وبيوتاً وكل ما هبَّ ودبَّ على بساط الحلم واليقظة، احاول بجهد، لا ننسى كلمةأحاول".
يقدم لنا بيدج من خلال ترجمة المختارات تجربته مع الثقافة الكرديّة والفارسيّة والعربيّة، لا يمكن لقارئ الكتاب، إلا أن ينتبه على الجمل التي قد تبدو غريبة ومنالواضح أنها انطباع للمترجم في النصوص وربما يعدها البعض اخطاء لغوية، لكنها لا تمنع الاستمتاع بالنصوص بكل بساطة النقل والوضوح والتقديم المجتهد لنصوص مؤثرة وخطيرة احياناً لا تترك القارئ بسهولة، إلا ويجد نفسه باحثاً عن الشاعر وتاريخه وتجربته الأدبية، وتكمن أهميّة كتاب المختارات هذا في المقدمة التي يقدمها المترجم، وهي مقدمة للقارئ وملخص مهم عن التجربة الشعريّة الفارسيّة الحديثة واشارات مهمّة للباحث عن تطور التجربة الشعريّة الإيرانيّة في القرن العشرين بأنواعها قصيدة النثر، والتيار الجديد، وقصيدة الحجم، والشعر التشكيلي، والشعر الخالص، يقدم المترجم كذلك نبذة عن تجربة أهم الشعراء الذين ترجم لهم في المجموعة المختارة وهم نيما يوشيج (علي اسفندياري 1897 - 1959)، وأحمد شاملو (1925 - 2000)، وسهراب سبهري (1928 - 1953)، ومهدي إخوان ثالث (1929 - 1990)، وفروغ فرخزاد (1935 – 1967) اضافة الى نخبة اخرى، يعد الكتاب مقدمة ممتازة لمن يريد التعرف على التجربة الشعريّة الإيرانيّة اللامحددودة وتفسح المجال امام النقاد واساتذة الادب لمقاربة ومقارنة هذه التجربة مع التجربة الشعريّة العربيّة، فالمقدمة تشير الى أن اثر وصول تجربة قصيدة النثر مثلا بدأت مبكرا في الشعر الإيراني أي في بداية القرن وتركت اثارها لاحقا في تشكيل كتابة الأنواع الشعريّة الإبداعيّة، حيث يشير بيدج الى أنها اكتسبت طابعها الرسمي المعترف به مع أحمد شاملو، الذي يعتقد بيدج أنه يستحق رفع شأنه الى مرتبة"رائد قصيدة النثر" ويقتبس له بيدج قوله الذي نُشر في صحيفة"فردوسي": "أحيانا تكون الفكرة متساميّة و لطيفة، أو عصيّة و صعبة إلى درجة تبدو معها مستعصية على التموضع في أي قالب أو وزن، ولا يمكن ترويضها واحتواؤها بأي وسيلة أو
أداة.
عندها لابدّ من استبعاد الوزن والقافية و كل ما يقف في وجه هذا التحرر لتظهر أفكار الشاعر على الورق كما هي وكما يراد لها من دون أي عقبات أو ضواغط مشوهة.." هذا في حين رغم وصول هذا الأثر الى الشعر العراقي مثلا لم يكن هناك تقديم او احتفال رسمي لحضور ونقد قصيدة النثر والاعتراف بأثرها وتشكيلها للشعر العراقي الا في العام 1992 مع مهرجان الشعر الذي عقد العام 1992 بعد بحبوحة النشر القصيرة التي منحتها السلطة للأدباء مع صدور اعداد متتالية من مجلة أسفار وصدور العدد المزدوج 11-12 الذي تضمن نصوصا نثرية لشعراء شباب و كتابات ودراسات نقديّة تتناول الموضوع بحثياً، كما يقدم فرصة البدء بالتعرف على التجربة الشعريّة لثقافة الدولة الجارة وربما محاولة
فهمها.