عزلة العالم

ثقافة 2020/04/04
...

حميد المختار
 

هكذا اذن أصبح العالم في عزلة تامة، البيوت مغلقة الأبواب، الشوارع فارغة والبنايات والمؤسسات مهجورة، فقط البيت هو حي يرزق، الكرة الأرضية الآن عبارة عن كوكب فارغ الا من بيوت مغلقة وعصافير تغرد بخوف على الأشجار، في غرفتي -غرفة المكتبة /الطابق الثاني من البيت، النافذة مطلة على حديقة المنزل، ثمة الكثير من الصخب الذي تطلقه العصافير على السدرة الوحيدة، العصافير تؤكد ان الحياة مازالت موجودة والدليل ان السدرة تفتح اغصانها وتطلق ثمارها بوجه الزمن، انا كالعادة محاط بالموسيقى والكتب، الكتب هي الكائنات الحية الوحيدة التي لا تخاف حتى من الزمن، فقد تجاوزت محنة الخوف منه وغادرته إلى الأبد وهي ترتع في أحضان البشر المرتعد خوفاً من زمنه، شكل هذا الوباء تحدياً للعالم اجمع بدوله الكبرى المتقدمة في العلم والتكنولوجيا، فيروس لايرى بالعين المجردة أعمى كل العيون المجردة وتركها في خواء وخوف وموت يومي، أغلقت باب المنزل وفتحت أبواب الغرف الأخرى وسقيت الشجرة العملاقة وفتحت النوافذ، لاشيء مخيف هنا، الضيوف هم أيضاً يختبئون في بيوتهم، اذن لاضيوف يطرقون الأبواب ولامكالمات تعد بقرب زيارة لاقارب، لامناسبات وطنية او دينية فقط ثمة مناسبات للخوف القادم من المجهول، - يكتب (راي براد بيري) في قصص الخيال العلمي، هو كاتب أميركي متخصص بهذا النوع من القصص :الأرض اكتسحتها الرياح واعادت قصة الانغمار القديمة.. اما المدن فقد كانت مدفونة بعمق تحت تلال من الصمت والزمن المتجمد في الوقت الذي أصبحت فيه البرك والنافورات ساكنة تماماً ومجرد ذكريات من الماضي الموغل في القدم -تصوروا معي هو يتحدث قبل أكثر من خمسين سنة، ماذا لو كان يعيش هذا الكاتب زمننا المرتعب من الوباء الذي كمم أفواه الجمال والحياة، من هنا اتوقع بأن ينبري كتاب العالم اجمع لتناول هذا الوباء كموضوعة للروايات والقصص والاساطير والملاحم والشعر والدراسات النفسية والتاريخية، وانا على يقين بأنهم قد بدؤوا، فالكثير منهم لن ينتظروا انتهاء المحنة وقد يكتبون تحت هاجس النهاية القريبة والموت المحتوم بسبب هذا الوباء الذي بات قاب قوسين او أدنى من موت هذه الكرة الأرضية المحتضرة، وهناك الكثير من الأعمال الروائية إلى تحدثت عن وباءات قديمة أصابت الأرض قبل مئة سنة أو أكثر، طاعون وموت أسود وكوليرا وجذام وزهري وفيروسات وجدري وحمى صفراء وملاريا، وستكون كتابات هذا الزمن هي ذخيرة وتاريخ المئة عام القادم حين يستذكر أبناء المستقبل فيروس كورونا الذي ارعب العالم وصار مادة دسمة لآدابهم 
وثقافتهم.