محمد يونس
إنّ الطبيعة المدنيَّة للحياة تتشكّل من حقوق عامة ترعاها الدولة، وكما أنّ هناك واجبات، أيضاً بالمقابل يمثلها المجتمع، وعلى أي فرد فيه أنْ يكون دوره في عمله، وهناك من عمله في مؤسسات الدولة، وغيره عمله خاص، والدولة الصلبة الحيويَّة، لا بد أن تهتم بالكل، رغم أنها في جانب الحقوق تهتم بموظف المؤسسات.
لكن لا تنسى من هم في العمل الخاص، ولا يصبحون ضحايا للدولة، وذلك الجانب يسمى عرفاً بأخلاقيات الدولة، وأيضا تكون مدنية الدولة مهتمة بالجانب الإنساني، لذلك في دولة ما عندما تنتهي دورة الموظف تكون هناك مكافأة وتقاعد، وهذا الحق يكون حقا عاما، وأيّ فرد في بلد من العالم هو موظف في مؤسسات الدولة له ذلك الحق.
بعد أنْ فرضت الحكومة العراقية في فترة بداية السيد عبد المهدي تغيير قانون التقاعد، وتقليص سنين العمر للتقاعد، خلخل هذا الأمر أموراً عدة، ففي البداية تأثرت مؤسسات الدولة، فهناك موظفون لهم دورٌ حيوي في دوائرهم، وتجربتهم التاريخيَّة الطويلة دعمت مؤسساتهم، وهنا قد خسرت المؤسسات موظفاً بكفاءة وخبرة، وهناك سيكون بديل له.
قد تكون تجربته قصيرة وغير بمستوى خبرة، وثاني الأمور أصبح هنا ضغط عال على دائرة التقاعد، إذ بدل أنْ يكون العمل في معاملات التقاعد بنسبة معينة، قد تضاعف ذلك العمل إلى حدٍ كبير، ومن الطبيعي ستكون هناك أخطاء، إذ سرعة العمل تؤثر في موظفي دائرة التقاعد، وصار الموظف ينفذ معاملة أو اثنتين.
وهنا يكون لأي صاحب معاملة أن يدعو ربّه، وذلك الاحتمال موجود، ونحن نقول إنّ دائرة التقاعد قد تحملت أكثر ممّا تتحمل، ورغم وجود هفوات أو أخطاء هنا ستتصاعد أكثر، وأنّ الكمّ الكبير المتزاحم من المعاملات جاء بالشكل المباشر، وبسبب قانون غير مدروس وبتوقيت غير مقنع، ونأتي على جانب ثالث وهو متربط بمالية الدولة، وإذ إنّ القانون أحال إلى التقاعد نسبة عالية من الموظفين، وكان، في الوقت ذاته، هناك ضغط خارجي على الجانب المالي، إذ هناك عدد ضخم من الخريجين، والجميع يسعى لأنْ يجد وظيفة له، والرقم الهائل للخريجين من الصعب استيعابه، رغم أنّ مقابله هناك عدداً كبيراً من الذين أحيلوا على التقاعد، لكنَّ النسبة المختلفة في غاية الصعوبة أنْ تكون مقبولة من خلال المالية، بل تجدها ستخلق مشكلة، بل نحن نقول للمالية ستكون هناك أكثر من مشكلة، إذ إنّ المتقاعدين المتزايد عددهم سيكون لهم تأثير مباشر إذا استبدلوا بآخرين جدد، إذ ستتضاعف نسبة المالية هنا، وهذا الجانب صراحة غير مدروس وخالٍ من الموضوعية أيضا، وبلا منطق اقتصادي، بل هو حلّ سريع وظرفي، ولا يؤدي ما تسعى إليه مؤسسات الدولة، بل ستكون خسائر الدولة فادحة بفقدان التخطيط
السليم.
في هذه المرحلة هناك عددٌ من الموظفين معاملاتهم في طور الاكتمال، وآخرون قد اكتملت معاملاتهم، والذي معاملاتهم قد أرسلت إلى دائرة التقاعد، وهذا الكم كبير نسبياً، وإنّ الحق المالي لهم مؤمن، لكنَّ الزخام وكثرة المعاملات، لسوء الحظ سوف لن يتبدد، إذ إنَّ دائرة التقاعد مقفلة أبوابها، ومرتاحة من إنجاز المعاملات، ولا أجد أنّ هناك موظفاً في دائرة التقاعد أخذ مجموعة معاملات معه ليدققها، وإنْ وجد ذلك فهو متفوق إنسانيا وصاحب ضمير حيّ، ومن الصعب العثور عليه اليوم، وصراحة نضع أمام البعد الإنساني إضافة مغبونة، فإضافة إلى أصحاب العمل الخاص والحر الذين حصروا في زاوية الإهمال والتجاهل في هذه الظروف المهينة، قد جهلت شريحة كبيرة من المتقاعدين ممّن معاملته مهملة، أو ممّن اكتملت ولم يحن ظرف مناسب لإرسالها، أو منْ أرسلت وفرض عليها فيروس كورونا أنْ تبقى بلا إنجاز، وصراحة لا بدّ للحكومة أنْ تستثمر ما يمكن استثماره في إنجاز معاملات عالقة وبعضها من سنة أو أقل، ويكون موظفاً يحضر لإكمال المعاملات وآخر في التقاعد يتسلمها ويكملها، وإلّا تكون قد جنت على شريحة المتقاعدين التي هي قد سعت إلى إحالتهم، إضافة إلى الكم الكبير الذي كان ضحية للفيروس من جهة ولإهمال الحكومة من جهة
أخرى.