أ.د عامر حسن فياض
ما حقيقة كورونا؟ هل هو وباء طبيعي أم مصطنع؟ هل هي جائحة على الفقراء وسانحة للأغنياء؟ هل هو بقاء للشباب وفناء للشيوخ؟
لسنا بصدد الإجابة، غير السياسية، عن أسئلة كورونا بقدر ما نريد أن نؤكّد حقيقة التوظيف السياسي البريء، وغير البريء، لهذا الوباء وتداعياته في زمن انتقال الرأسمالية من السلفية الاستعمارية إلى السلفية المتوحشة، وعلى امتداد سِنِي الانتقال سيشهد العالم القادم مجموعة حقائق ترافقها مجموعة أوهام وخرافات.
أولى هذه الحقائق أنّ الصين ليست عملاقا نائما، بل عملاق هادئ وسخي ومنتصر وجدير بتحمل المسؤولية الأخلاقية للزعامة وصولاً بالجميع إلى عالم أفضل. بينما الولايات المتحدة الأميركية عملاق شرس وبخيل ومهزوم وجدير بتحمل المسؤولية اللاأخلاقية، وسيظلّ هكذا وصولاً بالجميع إلى عالم أسوأ.
وإذ إنّ أميركا فشلت في قيادة العالم وخسرت زعامتها لصالح الكودو الصيني القادم، فأنّ الحقيقة الثانية لزمن الكورونا وما بعده تؤكد أنّ العالم سيشهد صراعا وليس تعاونا ما بين مشروعين هما مشروع صفقة القرن الأميركية الصهيونية بسلطة خشنة (حروب – إرهاب – عقوبات – حصارات)، ومشروع الطريق والحزام الصيني بسلطة ناعمة (تنمية بلا نهب – معرفة بلا احتكار – مساعدات بلا شروط).
وثالث الحقائق أنّ زمن الكورونا كشف لنا أنّ المُحاصَر ينفتح على الآخر (الصين – روسيا – إيران – كوبا)، وأنّ المنفتِح يحاصر الآخر (أميركا – إيطاليا – إسبانيا)، وأنّ أوروبا بلا حول ولا قوة، وأنّها جديرة بحمل لقب القارة العجوز حتى لو تركت كبار السن فيها تحت تصرف سياسات مناعة القطيع، لأنّ زمن كورونا كشف المستور في بواطن رأسمالية اليوم والبارحة التي كانت وستظلّ رحماً لكل الأوبئة (احتلال – بؤس – احتكار المستقبل لصالح القلة الغنية – الفساد – التطرف – الإرهاب)، وأنّ آخر الولادات الوسخة للرحم الرأسمالي هي كورونا.
على المستوى الإقليمي لدينا (فلسطين والسعودية وإيران)، وقد كشف زمن كورونا حقيقة أنّ القضية الفلسطينية لا يمكن توظيفها سلباً، لان منْ يريد توظيفها سلباً هو من يتخلى عنها وليس من يتبناها ويتمسك بها، وتقابل هذه الحقيقة خرافة (إسرائيل لا تقهر) وهي التي تحوّلت من دائرة القلق من أنظمة الجوار إلى دائرة الخوف من محيطها المقاوم. أمّا الحقيقة الخاصة بالسعودية زمن كورونا، فإنّها تتمثل بأنّ المملكة لا تتقن سوى الورط أينما كان (مستنقع اليمن – مناكفة روسيا في أسعار النفط – هدر المال عبر تشغيله في دعم التطرف والإرهاب). وعن إيران فإنّ الحقيقة التي كشفت عنها جائحة كورونا تتمثل بأنّ الحصار والعقوبات على إيران لم تعطل مسيرتها لأنّها دولة وليست مشروع ما قبل الدولة.
لنأتي إلى بيت القصيد، إلى العراق الذي ظلّ حتى ما قبل زمن كورونا يعاني من أزمة ثلاثية العناقيد (إرهاب – فساد – محاصصة) لتصبح أزمة رباعية العناقيد عندما دخلت إليه كورونا لأنّه بلا منظومة تحتية صحية كاملة، وبلا وعي صحي ناضج، ولأنّ القوى السياسية المتنفذة فيه جعلته ملعباً، والكرة الملعوبة هم، واللاعبون جميعاً من خارج العراق، لذلك انتشرت خرافات وأوهام الانقلاب العسكري! والحاجة إلى رئيس وزراء شرس! وصناعة حكومة تخاصم إيران! وضرورة الاعتماد على الكودو الأميركي!
العراق، الآن، الخاسر الأكبر اقتصادياً وسياسياً، فما السبيل للخروج من دائرة الخسارة؟
باختصار شديد، العراق بحاجة إلى عراقيين وما أقلّهم مع الأسف، عراقيين لهم القدرة على ترتيب البيت من الداخل على طريقة الإسراع بتشكيل حكومة لإطفاء حرائق لا إشعالها، والمطفأة هي الانتخابات المبكرة، حكومة إيقاف تدهور لا إنجاز تطور على طريقة القرش الأبيض ينفع لليوم الأسود، حكومة تؤمن بحقيقة ألّا ديمقراطية من دون استقلال وطني وعدالة اجتماعية، حكومة حجَر الأساس لعودة العراق إلى
العراقيين.