الدراما ما قبل وبعد الكورونا

ثقافة 2020/04/09
...

 د. عواطف نعيم
 
لم تكن الدراما الا (فعل) يحدث هنا والآن  في ذاك الفضاء الذي يحتويه، هكذا تعلمنا وهذا ما قرأناه واعتدنا ترديده في حديثنا عن الاعمال الدرامية سواء أكانت تلك الاعمال تلفازية أو سينمائية، اذاعية أو تضيء خشبات المسارح، ومهما تنوعت تلك الاعمال في طبيعتها الاجتماعية أوالتأريخية أو تتمثل الميثولوجيا في بنائها وصياغتها أو كانت فنطازية تحّلق في عوالم الخيال والاعاجيب أو تتجه نحو الخيال العلمي الخارق والمدهش.
في كل ذاك الاختلاف والتعدد تبقى  الدراما فعلا، وكما قال المصلح الانكليزي ( جوردن جريج) في حديثه عن الاعمال المسرحية إن المسرح فعل ونحن نأتي للمسرح كي نرى لا أن نسمع، أي أنه بالتأكيد كان يعني في حديثه أن ما يؤثر في خلق حالة التشويق والجذب، هو تلك الافعال التي تقود الى مجموعة من الاحداث والصدامات، التي تؤدي الى صراعات، والصراع هو روح الدراما ونبضها  هو الاساس في البناء والصياغة ونسج المتن الحكائي للنص الدرامي، وما الشخصيات الا أحد العناصر المعتمدة في عرض وتجسيد تلك الافعال.
وقد تعودنا في كل رمضان أن نتهيأ عبر الفضائيات لتقديم عروض درامية على شكل مسلسلات وسهرات، وقد تكون حلقات مختلفة أو برامج متنوعة تكون الدراما القاسم المشترك في ما بينها، ويعد رمضان موسما للعمل والانتاج والرزق والتنافس بين الفنانين وبين الفضائيات المنتجة للاعمال الدرامية ويصل التنافس الى حد جامح وكبير في ما بينها، أي الفضائيات ولا سيما  (MBC) التي تقود ماليا وعبر شركاتها ومن تمولهم من شركات عربية أخرى وعبر الفضائيات التابعة لها حركة الانتاج الدرامي في رمضان ضمن هدف ومنهاج وتوجه فكري تضع هي شروطه ومعاييره وتجمع نتائجه وتأثيراته في ما بعد نهاية الموسم الدرامي لرمضان، وعلى وفق تلك المحصلة وتقلباتها أو ثباتها تضع عبر مستشارين ومختصين المعايير الجديدة القادمة للاعمال الفنية، التي ستهيئها للموسم الرمضاني القابل، أي أن بزوغ نجوم ومنح فرص للظهور والبروز والتموضع داخل دائرة الضوء ورفع الاجور للبعض من الفنانين ورفع شأن البعض الآخر منهم وتسليط الضوء على أصحاب المواهب أو النصف موهبة والعناية بهذه أو تلك  من الاسماء الفنية العربية والمحلية وتوجيه الشركات التابعة لها أو الممولة من قبلها بالاستعانة بهذا الفنان أو تلك الفنانة هي أمور ومعايير  خاضعة لسياسة تلك القناة الأم (MBC)، لذا لا غرابة أن تطالعنا ذات الوجوه عبر المواسم الرمضانية في أعمال وشخصيات وهيئات وحكايات متنوعة ومختلفة ولكن الحضور للممثل هو الحضور ذاته في كل تلك الاعمال، التي تتنوع فيها المواضيع والازياء والمكياج والاماكن وطريقة المعالجة الاخراجية وادارة طاقم العمل وتشكيلات الصورة المرئية، مع بقاء ذات الوجوه في اطار حضورها وحدود قدراتها الادائية المعتادة.
أما الوضع مع الدراما العراقية، فهو وضع مأساوي بحق، فمع توقف الانتاج ومحدوديته ومع عزوف الحكومة عن دعم الدراما وتقديمها بما يليق بتأريخها ما قبل2003 وحتى بعض النجاحات ما بعد هذا التأريخ، الا ان الغالب هو فتور وعزوف وعدم اهتمام بهذا الجانب، الذي يعد احدى الوسائل المهمة للتنوير والتثقيف وترقيق الذائفة  والارتقاء بها، الا أن الاهمال ما زال قائما، والذي يزيد الامور صعوبة ويباسا أن فرص تواجد بعض الاعمال على قلتها تخضع هي الأخرى الى معايير، لربما تلعب فيها الاخوانيات والشللية والمناطقية دورا كبيرا، اذ نرى الوجوه نفسها تدور في أغلب الاعمال القليلة، التي تقدم من انتاج بعض القنوات العراقية وخصوصاً " MBC عراق" لكونها توقفت عند أسماء محددة تزجها في كل أعمالها، وإن كانت أغلب أعمالها تتجه الى الترفيه والتسلية وكوميديا الفارس لاجل الضحك لا غير وحتى ذهابها لانتاج أعمال درامية ذات توجه اجتماعي جاء عن رغبة غير مدروسة أو مخطط لها بشكل موضوعي ومهني مدروس ( ماذا تقدم  من أفكار، لاجل من تقدم ، ماهو الهدف، توقعات الافادة والتأثير، كيف تقدم تلك الرؤى)، لكن السؤال الذي علينا أن نطرحه الآن بعد كل هذا الرعب الذي اجتاح العالم أجمع، ذاك الهول الذي جاءت به جائحة "كورونا " ذلك الفيروس الذي ضرب مثالا في العدالة والمساواة، على الرغم من ضراوته وقساوته وصعوبة السيطرة عليه، اذ انه ساوى بين البشر جميعا غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم، عالمهم وجاهلهم، مؤمنهم وملحدهم، التقليدي فيهم والعبثي بينهم، الغربي والعربي، الهندي والاعجمي،  لا فرق بينهم الا بقدر حذرهم ومحاولة وقاية أنفسهم وابتعادهم عما يعرضهم لفتك ذاك الفيروس 
بأرواحهم.! 
كورونا يدور في البلدان العامرة، التي تضج مدنية وحضارة والبلدان الفقيرة التي تئن فقرا وجوعا، البلدان التي تدعو للديمقراطية وتصنع أعتى الاسلحة والبلدان، التي تسوس شعوبها بجهالة التخلف ودعوى التدين الكاذب وتسعى لشراء الاسلحة للحفاظ على بقائها في السلطة، فيروس لا يرى بالعين المجردة، وقفت أمامه ترسانات الاسلحة وتهويمات الادعية ودعوات التفرقة والتضييق والتشدد والطائفية، عاجزة، خائفة، ثاغبة تبحث عن مخلص، وتتجه الى المنقذ الذي تجاهلته كثيرا وقللّت من قيمته الا وهو العلم والمعرفة، المستشفيات والمراكز الصحية ومعامل الادوية والاجهزة الطبية، التي تنقذ حياة البشر والتوجه الى الخالق سبحانه، لمنحنا شعور الطمأنينة والامان، ماذا تستطيع الدراما التي كتبت وأنتجت وجسدت  بدوافع نفعية، من أن تقدم في ظل هذه الظروف؟ فايروس "كورونا " وما فعله بالعالم أجمع أكبر من أي دراما ستقدم وكان الدافع لها تحقيق الربح وبث الأفكار الخالصة لها والترويج لقيم محددة  مدعومة من قبلها وزّج وجوه ليست بالجديدة وتكريسها في الذاكرة الجمعية لمجتمعات، ما زال البعض منها عندما تحدثه عن مطر الحرية ونعمة المعرفة يرفع مظلته السوداء ويغلق عقله عن
الفهم ! 
ماذا تستطيع الدراما أن تقدم أمام دراما جديدة كورونية بعثرت كل المعايير وأطاحت بكل المفاهيم العتيقة والبالية، التي تحتكرها عقول أدمنت التلاعب بالحقوق والمعايير والرؤى المضّببة والمشوهة في فضائياتنا العربية المقوّلبة والعالمية المؤدلجة، ما بعد الكورونا هناك دراما قادمة لا علاقة لها بكل ما كان  يروّج له وما سيقدم الآن، دراما لا دجل فيها ولا تسفيه، لا تسذيج ولا تجهيل ولا عبث بالافكار وخلط للاوراق  ولا اختلاق وتشويه، علينا أن نعّي الدرس ونستوعبه ونؤسس لحياة انسانية يكون الانسان الباحث والفاعل والجمالي هو القائد فيها، بعيدا عن هيمنة الاستبداد والقوة قريبا من جمال الطبيعة  وقيم الوطنية وانسانية العالم 
الحر.