سياسي مستجد

الصفحة الاخيرة 2020/04/10
...

حسن العاني
 

عادة ما يُقال عن الناس الذين يحصلون على ثروة مفاجئة، تأتيهم عن طريق (الحلال) كالإرث مثلاً، أو عن طريق (الحرام) كالكسب غير المشروع، وتنقلهم من حال الى حال، وتغير أسلوب حياتهم فلا يحسنون التصرف بهذا الثراء المفاجئ، ويصعب عليهم التكيف مع أوضاعهم الجديدة، أقول عادة ما يوصفون بأنهم (حديثو نعمة)، ومن هنا قد يضرون أنفسهم بهذه النعمة أكثر مما ينفعونها، بخلاف الإنسان الذي يتدرج في الثراء المشروع، ومن هنا فإنَّ أفضل شيء في الحياة هو (التدرج)، فالإنسان يتدرج في النمو، من النطفة الى الشيخوخة، وكذلك الموظف في سلم الدرجات الوظيفيَّة، والرياضي في مهاراته، والعالم في علمه.. وكان الجندي الذي يلتحق في خدمة العلم يسمى (مستجداً)، لأنه جديد على الأنظمة العسكرية وضوابطها.
صديقنا الحاج أبو محمد الذي نخاطبه بمفردة (العم) تقديراً لعمره الذي شارف على الثمانين، أنموذجٌ صارخٌ للسياسي المستجد، فهذا الرجل الذي عرفناه منذ قدومه الى المحلة قبل أكثر من أربعين سنة، يصح أنْ نسميه (رجل من أهل الله) بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح، فهو لا يعرف من دنياه غير ثلاثة أشياء: البيت ودكان الفاكهة والمسجد، ويوم اعتزل العمل قبل عدة سنوات، وكان أبناؤه عند حسن الظن بوالدهم، تفرغ للعبادة... وما نعرفه عن الرجل، انه برغم التحاقه بمركز محو الأمية في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه لا يحسن القراءة 
والكتابة...
فجأة ومن دون مقدمات اندفع نحو السياسة اندفاعاً غريباً، فهو عن غير علم يطرح أسئلة ليست ساذجة بل تدعو الى الضحك، وفي غمرة هذا الاندفاع راح يكلف أولاده وأحفاده لكي يشتروا له الصحف والمجلات ويطلب منهم قراءة الموضوعات السياسية تحديداً، ثم تجاوز اندفاعه الحدود المقبولة فراح يدلي برأيه في الصغيرة والكبيرة من قرارات الحكومة الى مناكفات البرلمان الى القضايا الإقليمية والعربية والدولية....
حصل مرة أنْ وصلت الى محلتنا مندوبة إحدى الفضائيات لإجراء استطلاع ميداني حول قرار طرحته الحكومة ووافق عليه البرلمان، فما كان منه إلا أنْ تدافع مع الشباب ووصل إليها في محاولة للظهور على الشاشة، وقد استرعى اندفاعه انتباه المندوبة فقدمته على غيره وسألته (عمو شنو رأيك بالقرار؟!) وأبو محمد لا يعرف ما هو القرار، فردّ عليها وهو يتلفت الى الحاضرين بحثاً عمن يعينه (والله بنتي كلش خوش قرار)، وسألته من جديد بما يشبه المزاح وقد أدركت أنَّ الرجل لم يسمع بالقرار (عمو يعني شلون خوش قرار؟)، أجابها (يعني زين ويفيد المواطن الكريم!).
مرة التقيت الرجل في سيارة الكيا وكنا عائدين من باب المعظم، ونحن على أبواب الانتخابات... عند نقطة السيطرة التفت أبو محمد نحوي منزعجاً وقال لي: (هذي مخالفه ضد الديمقراطيه، وأرجوك تكتب عنها، لأنَّ الجنود يدّخلون بالانتخابات ويرفعون صور مرشحين على حساب مرشحين) وأشار باصبعه الى المكان، فنظرت الى الصور المعلقة وبصعوبة بالغة منعت نفسي من الضحك، لأنَّ الرجل كان يشير الى صور المطلوبين الى
العدالة!!