د. محمَّد حسين الرفاعي
[I]
ما هي المصادر المعرفيَّة- المجتمعيَّة، في العصر الحديث، التي من شأن المحبَّة. وبأية معانٍ يمكن التَّساؤل عنها في عصر ما بعد الثورة التكنولوجية في شتى الحقول المعرفيَّة والوجوديَّة؟
إنَّ التَّساؤلَ هذا إنَّما هو يُبنى انطلاقاً من المصادر التي من شأنه. ثَمَّةَ مصادر تساؤل من الخارج: خارج التَّساؤل، وثمة مصادر من الداخل: داخل التَّساؤل. تنتمي مصادر الخارج إلى خارج مفهوم المحبة، كما تنتمي مصادر الداخل إلى داخل مفهوم المحبة.
[II]
تتضمَّنُ المصادر الخارجية التي من شأن بناء التَّساؤل عن المحبة، التي تُبنى انطلاقاً من [المجتمعيِّ]، والمضامين المجتمعيَّة، والمجتمع الفرداني، في الآتي:
I- الاحتقار، القائم على ضروب [الإنوجاد- القائم- على- الذَّات- فحسب]، الَّذي يمارسه الإنسان الحديث داخل (حقل- العلاقة- مع)
II - الفردانيَّة والأنانيَّة واستغلال كل شيء من قِبَلِ الفرد، ضمن [حقل- علاقة- الذَّات- بها]. استغلال الموارد الطبيعة، والبشرية، على حد سواء.
III- الإنوجاد المجتمعيّ انطلاقاً من فكرة احتكار الوجود بواسطة الفرد، ضمن (حقل- الوجود- المجتمعيّ).
[III]
كما تتضمَّنُ المصادر الداخلية التي من شأن التَّساؤل عن المحبة، التي تُبنى انطلاقاً من المضامين النظريَّة- والانطولوجيَّة لمفهوم المحبة، على أقل تقدير، الآتي:
. يتوفَّر الإنسان على إمكان المحبَّة بقدر توفُّره على إمكان التخلُّق Moralization.
II- يتوفَّر إنسان العصر الحديث على إمكان المحبة بقدر توفُّره على إمكان نقد الآلة، والتألُّل. والكشف عن نسيان الإنسانيَّة فيهما.
III-يمكن الظفر بإمكان المحبة بواسطة المصادر الروحيَّة التي من شأن الإنسان الحديث، من جهة، وبواسطة الانفتاح على الاختلاف والتعدُّد والتنوع، من جهةٍ أخرى.
[IV]
ولكن، ما الضرورة الوجودية التي تدعو المرء لأنْ يُصبح داخل المحبة، في ظلِّ عالَمٍ مليءٍ بالشَّرِ؟
لا نقع نحن معشر البشر، بالتأكيد، ضمن الخير وحده، أو الشر وحده. بل نتوفر على الخير فينا، والشر فينا، في وحدة وجودية، قبل أن تكون أخلاقية، أو دينية، أو فردانية حتَّى. وأي ضرب من ضروب حصر الإنسان داخل أحدهما، من قبل أي فكر، أو مفكر، هو ضرب من قلة اللياقة إزاء العقل، والسذاجة التي تقوم على: إمَّا المجاملة البائسة التي تحدد الإنسان بوصفه خيراً، وإمَّا جرح عميق على الصعيد الجوَّاني العميق الذي للذات، الذي يحدد الإنسان بوصفه شرَّاً.
ما حدث، منذ "دعه يعمل، دعه يمر"، في بلدان العلم، والإنسان، أُخِذَ من نتائجه المجتمعية في بلداننا. أي هو انتقل، ونُقِلَ إلينا؛ ولكن من دون مضمونه، وشروطه، وإمكاناته، وضماناته، طرق صيانته...وإلخ. فتحوَّلت الفردانية عندنا إلى ضرب من ضروب الأنانية. أي حصر الوجود، في أوَّلِ بدئه، إلى نهايته الساذجة، في الذات الفردية الواحدة.
[V]
ولكن، بأيَّةٍ معانٍ يمكن أن نتوقفَ عند المحبة بوصفها ممارسةً وتجربةً وجودية- عقلية قائمة بحد ذاتها؟ وفي أيَّة شروطِ إمكانٍ أُنطولوجيَّة يمكن ممارسة ذلك؟ من جنسِ ماهيَّة المحبَّة، بوصفها خلقاً وبناءً والانتقال إلى نمط وجوديٍّ جديدٍ، أنَّها لا يمكن أن تنبثق، وتُخلق، فتكون، إلاَّ داخل الأرواح القوية- واليقظة؛ أي تلك التي تتوفَّر على قوَّةٍ روحية، وعقليَّةٍ، وحتى جسديَّةٍ. لذا لا يمكن للإنسان أن يسلك طريق المحبة إلاَّ بعدَ أنْ يحطِّمَ الشرُّ قلبَهُ وروحَهُ وعقله، بل لربما حتى جسده.
لأنَّ الشرَّ قويٌّ، قويٌّ جداً؛ ولكنَّ لا ثَمَّةَ قوةً تفوق قوَّة المحبة الأصليَّة. لأنَّ، في المحبة الأصليَّة، ثَمَّةَ لقاءً بالموت. ومن جهة أن لا شيء أقوى من الموت، فإن من يحيا بموته، وفيه، وله، فإنه يعرف، ويشعر، ويعي، ويمارس المحبة، في كليَّةِ وجوده، من جهة كونها بناءً ذاتيَّاً، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ آخر.