كورونا بين القدريَّة والعقلانيَّة

آراء 2020/04/11
...

   أ.م. د. وليد عبد الخفاجي  
 

يشهد العالم تغييرات غير مسبوقة في مختلف مناحي الحياة، منذ بدء أزمة وباء كورونا المستجد (Covid -19 ) فالهالة الإعلامية التي صاحبت بدء الإعلان عن هذه الجائحة تسببت في حالة من الهلع والتخبط طالت الحكومات قبل افراد المجتمع ، لأن إدارة الأزمات تتطلب من الحكومات التصرف بعقلانية في وقت الأزمات، الا ان حالة الذعر بين ملايين الناس عبر العالم ازدادت اثر سماع حجم الإصابات والوفيات ولسرعة انهيار قدرات الدول الكبرى ووقوفها عاجزة وبكل تقدمها التكنولوجي امام هذا فيروس، فأعلنت بعض هذه الدول عن عجزها واللجوء الى حلول السماء.

ان هذا الوباء تسبب وعلى المستوى العالمي في تعطل الدوام الرسمي بشكل شبه تام باستثناء المؤسسات الخدمية والامنية، وتعطل الدراسة، والاعمال اليومية وتوقف الانتاج، وخلق أزمات معقدة عدة، الا انها تختلف من مجتمع الى آخر لاختلاف ثقافات الشعوب، منها رفع أسعار المواد الغذائية والطبية، وغلو بعض الافراد في مقابل انقطاع البعض الى العبادة للخلاص من الوباء، فضلاً عن عدم اكتراث بعضهم، كما ان هناك قلة وعي مجتمعي وعدم التزام بالحظر وهذه تخص مجتمعاتنا النامية والعراق منها بطبيعة الحال.
كما ان هذه الأزمة كشفت عن ضعف كفاءة الأنظمة الصحية في بلدان كثيرة وعدم توافر الجهد الصحي المطلوب، والذي انعكس على الانظمة السياسية التي وقفت عاجزة حتى الآن عن ادارة الازمة بالشكل المطلوب، ما اسفر عن تأخر بعض الدول في تطبيق الاجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس، ما اسهم في ارتفاع نسب الاصابة في دول الغرب، الامر الذي عزز حالة الخوف والهلع لدى عدد كبير من الناس بتحول الوضع الى كارثة حقيقية وخلق فوضى كبيرة في بعض المجتمعات، انه وباء ينذر ببوادر أزمة اقتصادية عالمية بسبب انخفاض اسعار النفط وانخفاض الانتاج في الدول المصنعة عالمياً، ما يؤدي الى شلل شبه تام في مختلف مناحي الحياة، ان القلق الحقيقي في أن تتسبب هذه الازمة في انهيار اقتصادي وفوضى وازمات امنية وعسكرية، ومع ان هناك تطمينات ودعوات الى الهدوء والتريث في التعامل معها بيد ان هناك دعوات تقابلها أكثر تشاؤماً للمستقبل.
المنظور الاجتماعي والتنموي يبين لنا  ان المجتمعات الانسانية بطبيعة الحال تمتاز باختلاف انماط ثقافتها ووعيها من مجتمع لآخر، فهناك مجتمعات تتسم بالتعامل العقلاني العملي سواء على مستوى الفرد او الجماعة او المجتمع او بين المجتمع والحكومة، كونها مجتمعات مستقرة منذ زمن بعيد اعتادت على مظاهر النظافة والصدق في العمل والتعامل بإيجابية وارتفاع مستوى نوعية الحياة لمؤشرات التنمية البشرية المستدامة والمتمثلة بمؤشراتها الاساسية (الدخل ، الصحة ، التعليم )في سلم التنمية البشرية العالمي كالصين مثلاً التي انطلق منها الوباء أولاً ، لكنها ولارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي لمواطنيها وعقلانية حكومتها سرعان ما ضمدت جراحها وطوقت الازمة وهي بصدد اصدار لقاح مضاد للفيروس، ان لم تكن قد أنتجته وتناور لأسباب اقتصادية ، طبعاً لا ننكر عجز دول اوروبية متقدمة عن المواجهة، وبالمقارنة مع البلدان النامية التي تمتاز بانخفاض مستوى التنمية البشرية فيها في ضوء السلم التنموي العالمي وتردي نوعية الحياة والتعامل مع الازمات  من دون تخطيط ودراسة علمية وبعشوائية لان ادارة الازمات تحتاج لأصحاب الخبرات والتجار بالميدان  والاختصاص والكفاءة،فلنا ان نتصور كيف سيكون عليه الحال، فضلاً عن   ان انخفاض مستوى الوعي الاجتماعي والثقافة الصحية والاعتقاد بالأمور الميتافيزيقية يضخمان   حجم الازمة، فالدول التي توصف بأنها دول مؤسساتية تتعامل مع الوباء بشكل علمي على انه وباء بيولوجي، على خلاف مجتمعاتنا النامية التي تؤمن بالقدرية، تجسيداً لقوله تعالى " قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا"، الا ان توجيهات المرجعية الدينية التي تُظهر التصرف بعقلانية، دعت الى جانب الايمان بقوله تعالى الى الالتزام بالإرشادات الصحية والحظر لتقليل الاصابات وللتخفيف عن كاهل المؤسسات الطبية التي لا تمتلك ادوات التصدي اللازمة لهذا الوباء ، اذ ارتفع مستوى القلق والخوف الاجتماعي من خطر هذا الوباء بدلاً عن اشاعة ثقافة الالتزام بتوجيهات الجهات الطبية المسؤولة، ومما يزيد الامر سوءاً ان درجة صدقية تعامل السلطات من عدمها هي عامل مؤثر يسهم كثيراً في الحد من ارتفاع او انخفاض حالة الهلع التي سيطرت على اغلب الناس والخوف من المجهول، وفي العراق فان امام الحكومة تحديات كبيرة ، منها أن هناك اعداداً كبيرة من الاسر تعتمد في معيشتها على كسب قوتها يوماً بيوم، فضلاً عن طوابير البطالة، التي لا تمتلك القدرة على توفير أدنى متطلبات الحياة الاساسية ،فالمواطن يشعر انه امام حالة من الضياع ، ومع ارتفاع نسبة الفقر في العراق،اذ يرزح تحت خط الفقر الذين  يعيشون ظروفاً معيشية وبيئية واجتماعية وتوعوية وصحية ونفسية وتعليمية صعبة، كلها تؤدي الى ضعف مناعة الانسان في مواجهة الوباء، وعلى العكس تماماً فانها، تنتج انساناً واعياً صحياً قوياً يتمتع بمناعة عالية لا يكون فريسة سهلة لهذا الفيروس.
افرزت الازمة على المستوى المحلي سلوكيات متعددة تراوحت بين السلبية والتي أشرنا لبعض منها آنفاً، والايجابية كروح الايثار وتوزيع السلال الغذائية بين الاسر المتعففة وتوفير المطهرات والكمامات والقفازات بشكل تطوعي وتوزيعها مجاناً بين المواطنين وإشاعة روح التكافل الاجتماعي  في وقت الازمات، والافراط في النظافة، والعزوف عن متابعة الاخبار السياسية والانكفاء على متابعة النشرات الصحية والاحصائيات عن الوباء ، فضلاً عن الارق والقلق وقلة النوم لدى البعض، والهلع من الاقتراب من اي شخص، فضلاً عن ان حالة الحظر الالزامي افرزت لنا حالات الصراع الاسري لوجود اغلب الاسر في البيت.
سبل المواجهة والتصدي تتحملها الحكومة بشكلها الاعم والمواطن بشكل خاص، وهي مسؤولية تضامنية لتقليل عدد الاصابات بهذا الوباء ، وكالآتي :
1. الاهتمام بالاسر الفقيرة في المجتمع من خلال توزيع السلال الغذائية او مبالغ مالية عليهم لحين انجلاء الازمة.
2. توفير الفرق الجوالة وخصوصاً في المناطق الشعبية لغرض الفحص والسيطرة على الوباء من الانتشار نتيجة الاكتظاظ السكاني الذي  يسهل انتشار الفيروس بسهولة، ولمعالجة الحالات الطارئة،  لغرض الالتزام بالحظر.
3. توزيع المواد الطبية مجاناً كالمطهرات والكمامات والقفازات بين الاسر للقضاء على استغلال البعض للوضع الراهن.
4. توفير اشتراك انترنت مجاني وتقويته لتمكين الطلبة من التواصل في اكمال مواد مقرراتهم الدراسية عن طريق وسائل التعليم الالكتروني عن بعد.
5. تهيئة وسائل نقل من قبل القوات الامنية لنقل الحالات الطارئة الى المستشفيات التي لا تستقبل حالات الحجر الصحي تجنباً لكسر الحظر.
6. ضرورة الالتزام بالحظر عن طريق إشغال أوقاتهم بالتواصل الالكتروني مع الأقارب والأصدقاء لقتل اوقات الفراغ وتبديد حالة الخوف المستشرية بينهم .
7. الابتعادعن الاهتمام المفرط بتفاصيل هذا الوباء الا في حدود ضيقة والتوجه الى الله تعالى  والعبادات لزيادة الطمأنينة النفسية وتحقيق حالة الاستقرار النفسي.
8. تقوية الجهاز المناعي الذي يعد أحد سبل مواجهة هذا الوباء مع الالتزام بالإرشادات 
الطبية.