رواية للأطفال والكبار معاً

ثقافة 2020/04/14
...

أمين قاسم الموسوي
 
 
 
آخر ما أنجز الأديب عبد الصاحب البطيحي رواية ترجمها عن الانكليزيَّة بعنوان (شبكة شارلوت) من تأليف (إي . بي . وايت) وهذه الترجمة تأتي تتويجاً لنشاط البطيحي الذي رفد المكتبة العربيَّة بتراجم لأعمال أخرى من الانكليزيَّة الى العربيَّة، ولا بدَّ من التنويه الى أنَّ الأستاذ البطيحي ينشط في مجال ترجمي آخر، وذلك بترجمة نصوصٍ عربيَّة أدبيَّة الى الانكليزيَّة، وليس من شك هناك – كما أرى – أنَّ الترجمة من العربية الى الانكليزية مجالٌ يعاني فيه المترجم صعوبات أكبر مما يعانيه المترجم من الانكليزية الى العربية، فضلاً عن أنّ تعريف الآخر بنا باطلاعه على نماذج من أدبنا العربي يزيل الكثير من التهم التي تسمنا بالتخلف عن ركب الحضارة والمعاصرة، ولهذا شكراً للبطيحي على جهوده هذه التي لم يقف عمرُهُ – وهو في العقد التاسع – حائلاً دون هذا الإبداع الذي ينفق فيه الساعات، من دون كلل لإيصال الجمال الى الآخرين.
أما الرواية التي نحن بصددها "شبكة شارلوت" فإنَّها تأتي على لسان غير الإنسان من حيوانات، إذ يؤنسنها المؤلف وكذلك تأتي على لسان شخصيات بشريَّة، وهذه ميزة تجعلها تجمع بين الحيواني والبشري، وكأنها في أحداثها تريد أنْ تقولَ إنَّ هذه الأرض كوكب لا يمكن أنْ يحتفظ بحقيقته وجوهره إلا إذا اتفق الحيوان والإنسان على رعاية تحفظ ما على الأرض وما فيها من إنسان وحيوان ونبات وجماد للعيش بسلام، والرواية بشكلٍ عام تصنف على أنها من أدب الأطفال، وهذا لا يمنع أنْ نعدها موجهة لكل البشر من أطفال وكبار، وذلك لِما في جوهر ثيمتها من كشفٍ لما يجب أنْ يسودَ هذا الكوكب من عقلانيَّة ترفض التدمير والذبح والقتل، فكل حدث فيها، وكل حواراتها تشير الى ضرورة التعايش والانسجام، فهي جواهر حكمة حتى وإنْ جاءَ أكثرها على ألسنة الحيوانات، وهذا يذكرنا بجوهرة حِكَمية نالت شهرتها في أدبنا العربي والأدب العالمي، حينما ترجم ابن المقفع حكايات (كَليلة وَدمنة)، فصارت تلك الحكايات نبعاً يستخدمه من يبحث 
عن الحكمة والموعظة.
ترجمة الأستاذ البطيحي لهذه الرواية تسد فراغاً في مكتبتنا العربية خصوصاً في ما يخص أدب الأطفال الذي ما زال يحبو في مجتمعاتنا العربية التي تنسى أو تتناسى أنَّ الأطفال هم المستقبل بعينه، وقد كانت مقدمة المترجم، وكذلك مقدمة الرواية التي كتبها (أميلوكايت ديك) تُغْنيان هذه القراءة – قراءَتي- عن كثير من الإشارات النقديَّة المهمة، لِما في مقدمة البطيحي ومقدمة (أميلو) من نظرات نقديَّة تدلُّ على استيعاب للرواية لغة وأحداثاً وشخصيات، وإني لآمَلُ أنْ يطلع عليها أدباؤنا ومبدعونا لِلاستفادة مما فيها من جوانب إبداع تشع في ثنايا الرواية، وقد لاحظت أنَّ المقدمتين قد خَلَتا من الإشارة الى البراعة الفائقة التي بنى بها المؤلف تطور الشخصية أحيوانيَّة كانت أم بشريَّة؟ 
فقد كان يمهد لكل حدث بإشارات تسبقه، لتكون عنصر إقناع للمتلقي بأنَّ الحدث لم يكن وليد صدفة، وإنما جاء بعد إشاراتٍ وأحداثٍ سبقته، ولعلَّ شخصية الطفلة (فيرن) مثال حَسَن لبناء الشخصية وتطورها، فالطفلة بحكم براءة طفولتها ترفض أنْ يَقتل والدُها الحيوانَ (وِلْبَر)، لأنه وُلِدَ ضعيفاً ضعفاً شديداً، بحجم صغير جداً، فرفضت الطفلة (فيرن) قتل هذا الحيوان، فأخذته واعتنت به عناية الأم بوليدها، ولذلك لا نستغرب أنَّ هذه الطفلة كانت تذهب يومياً لتقعد وهي مستمتعة بالنظر الى ذلك الحيوان الذي نما على يديها ثم باعه والدها الى عمها الساكن قريباً من سكنها، ولكن هل تبقى (فيرن) بهذا المستوى الطفولي، إنها كبرت، وأعطت بعضاً من وقتها للعب مع ابن محلتها (هنري)، وتمضي الأيام، فتنسجم مع (هنري) وترتاح معه كارتياحها مع (ولبر)، والعلاقة تكبر بينها وبين ابن محلتها، ولربما ستنتهي بالزواج، والكاتب لم يشر الى هذه النتيجة، ولكنَّ منطق الرواية سيقود القارئ الى هذا الاستنتاج، إذْ ثمة مقدمات ستقود الى هذه النتيجة، ولعلّ في هذا عبرة لبعض من كتابنا الذين يتلاعبون بالشخصية كما يريدون هم لا كما تريد هي بما يعبر عن مستوى عمرها وثقافتها وبيئتها، فتأتي مشوهة غير مقنعة.
إنَّ (شبكة شارلوت) إسهامة جديرة بالقراءة لأنها سدت فراغاً، وخاصة في أدب الأطفال.