رقص.. مرايا.. ضجيج

ثقافة 2020/04/18
...

حميد المختار
 

يعكف الشاعر هادي الشيخ طه في ديوانه (رقص.. مرايا.. ضجيج) على الاحتفاء بنوع خاص من الغناء، فرقصه ممهور بالمداخن والايقونات والايقاعات التي تفقد الأوتار، ومراياه خيول وضباب وامنيات مخنوقة في ازقة المدن الدخانية، لهذا تكبر عوالمه وفصول اناشيده وهمومه وأمطاره 
العطشي.
اما ضجيجه فهو من نوع آخر تماما لأنه لامع في ممراته وزواياه، مطره أسود ومنارته تقرأ أوجاع المارة، لاينهض الا للعزف الأعمى وهو يخوض في نبع الوجود حدثا جنينيا وولادة تقتحم سكون حياته، لاعودة له إلا في كف الساحر الذي يرقص على شهوة النجوم، للأسف هذا الشاعر النجفي البعيد عن اضواء العاصمة والاوساط الثقافية والاحتفاءات اليومية باصدارات الأدباء، ظل بعيدا عن كل هذا لكنه سيكون قريبا من روح نبع الشعر وثرائه حين يتدفق مع سحابة ثكلى وهي تنتظر عودة الفجر، هادي الشيخ طه مزدحم في فراغه البعيد، يبني بيتا من طين الشعر البكر، ويخفي فيه دموعه واحزانه ومسراته القليلة.
ربما لأنه قريب من ابتهالات الروح التي تنفتح لها الأقفال والطلاسم، ربما لأنه يحلق بجناحين حرين بلا محنة او تردد أو خوف، هادي الشيخ طه لديه المفاتيح التي قد
لانجدها مع أكثر الشعراء الباحثين عن سر الوجود، رغم ان شعره مليء بالاقفال لكن مفاتيحها في يده يفتحها متى شاء، وهو نطاسي الوردة والعاهة والشحوب والامسيات الضائعة، (كل شيء هنا أصفر /الممرات /الزوايا /الجماجم التي يسمونها المصابيح /الخروج /الدخول /الذين يبكون /والذين يضحكون /الصباح والمساء والظهيرة...) 
ص32.
يرسم لنا الشاعر في ديوانه ممرات الأحزان بين الموت والحياة، حتى القوارب المثقوبة تعوم على زفير المعنى والشهوات التي تراود الكائنات لا تضلله وهو الناسك في محراب الجمال والضوء، روحه مثخنة بالدعاء والاناشيد والتورية (كوني او لاتكوني /فالمسرح مملوء بالموتى) ص44، تلك هي بيئة الشاعر ومدينته المنغلقة على القداسة والنحيب والرحيل اليومي لجنائز الأرواح الهائمة في فضاءات المدينة، لاشيء هنا غير الغربة والقوافل الراحلة صوب نعاس أبدي، في البعد برماد واصابع وكفوف تسير وتصفق لمدائح كاذبة، لكنه وهو العاجز عن الغناء ستقوم أصابعه برسم ايقاعاته ليتعكز عليها مترنما 
بتعويذاته.
واخيرا أقول: إن الشاعر هادي الشيخ طه هو مريد الأشباح والنواح والفناء، وهو المريد الازلي الذي ظل كالنهر الجريح في مجرى وحدته يطلق الأناشيد والتراتيل في وجه الموت والعجز والغربة راسما حياته وجمال حروفه على شجرة الشعر وارفة الظلال، ومدونا كل هذه الترانيم في كراس صغير ضاج بالشعر والجمال والحياة كبحر يحتفي بموجته المسافرة إلى مديات الأبد.