نجم بحري
يقول الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا: "الأدب موجودٌ لأنَّ الحياة لا تكفي".. ويقول الكاتب الفرنسي جان جيونو: "إنَّ الشعراء هم أساتذة الأمل". جملتان تجسدان أكثر ما تجسدان بالنسبة إلي دور الثقافة في حياتنا خصوصاً في خضم الزلازل المصيريَّة التي تجتاح واقعنا الراهن اليوم.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وعلى الصعد كافة. وفي هذا المعنى لا يهدف العمل الثقافي الى توليد منبر وملتقى حسب بل يتوق الى اختراع وطن أدبي وفني موازٍ، لأنَّ وطن الحياة والواقع والسياسة لا يكفي، في هذا المعنى لا يعود المثقف محض مثقف حسب ولا الكاتب محض كاتب ولا الأدب محض كلمات، إنها ضمير وضوء في العتمة ولا تعود الحياة الثقافية محض حياة ثقافيَّة، إنها وطن، ومن طبيعة الوطن أنْ يكون بيت الذات والآخر في آنٍ واحد وأنْ يكون منفتحاً ورحباً ومتعدداً ومتنوعاً ولا يكتفي بنفسه. وألا يطمئن الى ما هي عليه هذه النفس بحيث يصنع مناخاً تتوالد فيه حبوات كثيرة ومختلفة. وفي غمرة ما يتهدد أوطاننا من أخطار وتحديات ومواجهات. علينا أنْ نأخذ على أنفسنا تشييد وطن لا يستطيع أي خطر وأي إرهاب وأي حروب وأي مأزق أنْ تنال منه، إنَّه (وطن الثقافة والخلق والبحث والحرية) .والانفتاح على الآخر والتحاور الحقيقي السليم من الشوائب الضارة.. ولا يستطيع أي طغيان مهما بغى أنْ ينالَ من هذا الوطن في شيء. ذلك دور الكاتب أنْ يكتبَ، أنْ يكتبَ فحسب أنْ يستجمع رؤاه وتجاربه ويجعلها في قصيدة أو رواية. وعندما نؤمن جميعاً بذلك فسوف نتغلب على شعورنا (المزدوج) بآلام الواقع المهين الذي غالباً ما يعيشه الكاتب في المحيط المتقلب. لأجل ذلك أيضاً تكمن إحدى أهم مسؤوليات الكاتب اليوم وإرهاقا في أنْ يكون (أستاذ حياة). وأجمل عملية مقاومة يمكن أنْ يقوم بها هي أنْ يعلم الناس حب هذه الحياة ضد كل أنواع الموت والصراع والفراغ الجانح والتي تهددنا وما أكثرها، وفي أنْ يقرب الناس كل الناس من الأدب والشعر بروح إنسانيَّة، وما أحوجنا إليها.
أذكر في هذا الإطار كلاماً للشاعر الأميركي الحاصل على جائزة "بولتيزر" (تيد كوزر)، فعندما لام أحد الكتاب المختصين على محاولته استمالة الناس العاديين الى الشعر وتحريضه إياهم على كتابة القصائد بدورهم بحجة أنه يدفع الناس الى استسهال الشعر وأنَّ النتيجة ستكون مزيداً من الأعمال السيئة، سأل أي كارثة يمكن أنْ تصيب عالماً يحاول فيه جميع الناس كتابة القصائد؟ أليس ذلك بكثير من عالم جل ما يفعله سكانه هو مشاهدة ما لا ينفع البشرية خيراً وإطراءً للمعرفة؟ نعم: نقول: أوليس هذا سؤالاً.. جواباً بامتياز؟؟