جيوشٌ بيضاء في مواجهة الوباء

آراء 2020/04/18
...

د. صادق كاظم
 

في الوقت الذي تواجه فيه العديد من دول العالم، ومن ضمنها العراق، أزمة الوباء المتفشّية (كورونا) يبرز دور الملاكات الطبية كخطّ صدٍّ أماميّ تجاه هذا الوباء الذي بات يهدد، كسابقاته من الأوبئة، سكان العالم بالموت، وعلى رغم التقدم الطبّي والصحّي ووجود المؤسسات العلاجية والمستشفيات التي تعدّ عاملا مساعدا في محاصرة الوباء ومنع تفاقم الإصابات، إلّا أنّ هذا العامل يبقى محكوما بمدى قدرة تلك المؤسسات وعاملها المهم المتمثل بالكوادر الطبية في تعظيم جهود معالجة المرضى المصابين بالوباء وتقديم العناية والرعاية الكافية لهم، وهو ما تبذله هذه الكوادر فعلا من جهد عظيم في معركة مواجهة الوباء.
 
لقد قدّمت الكوادر الطبية ما يمكنها من جهود وإمكانات باتجاه معالجة المرضى وتهيئة مراكز العلاج وتقديم الدعم والعون لهم، وقد تعرّضت لخسائر في هذا المجال, إذ فقد بعض الأطباء والممرضين حياتهم نتيجة ملامستهم المرضى، ورغبة هذه الكوادر، فعليا، في تقديم العون والمساعدة للمرضى، مقدّمين صوراً عظيمة من الإيثار والتضحية في سبيل 
الواجب.
هناك الملايين من المواطنين الخاضعين للحجر الصحّي، في مختلف أرجاء العالم، تخوض الكوادر الطبية فيها مواجهة صعبة مع الفيروس في ظلّ إمكانات تبقى محدودة, إذ تحتاج عملية مواجهة الوباء إلى مستشفيات وأجهزة إنعاش وأماكن للعزل والحجر، وهي جهود وإمكانات تقع على عاتق الجهاز الطبي الذي يواجه المخاطر من دون وجود وسائل الحماية الكافية لاستكمال مهمتهم وواجبهم لأسباب تتعلق بكون هذا الوباء مستجدَّ الحدوث، وجاء ظهوره مفاجئا، ومن دون سابق إنذار، ممّا لم يفسح المجال أمام دول العالم وكوادرها الطبية لاتّخاذ الإجراءات والاحتياطات الكافية, فضلا عن عدم توفّر اللقاح والعلاج الشافي له.
وتعاني العديد من دول المنطقة، ومنها بلدنا، من ضعف الإمكانات الطبّية المتمثّلة بتوفر المستشفيات الكافية لاستقبال الأعداد الكبرى من المصابين في حال حصول إصابات كبيرة، فضلا عن عدم توفّر التجهيزات الطبّية الكافية من أجهزة الإنعاش وأغطية الوقاية, فضلا عن توفّر المعدات والطرق الحديثة المستخدمة في التشخيص والعلاج. 
وعلى الرغم من قلة الإمكانات المتوفّرة والمتاحة التي ينبغي توفرها، التي شهدت نقصاً عالمياً حادّاً بسبب الطلب الحادّ والمرتفع عليها بسبب الوباء, إلّا أنّ هذا لا يمنع من القول إنّ القطاع الطبي والصحي قدم أنموذجاً متقدّماً خلال الفترة الماضية في التعامل مع أزمة كورونا والحد من انتشاره في العراق, إذ قدّمت الكوادر الطبية جهوداً متميزة مقارنة بالإمكانات المتوفرة في العديد من الدول المتقدمة في 
العالم.
لقد تحمّلت الكوادر الطبية مهمة الدفاع عن صحة المجتمع في مواجهة الفيروس، وكانت، وما تزال، بالفعل، جيشاً أبيضَ لا يقاتل عدوه بالسلاح, بل بالصبر والعلم والعزيمة والإرادة الإنسانية على الرغم من المخاطر والصعوبات في مواجهة فيروس وبائي قاتل, إذ بذلت كلّ تلك الكوادر جهوداً كبيرة تستحق الإشادة والتقدير في الحفاظ على صحة المجتمع والحدّ من انتشار الفيروس الخطير, فضلا عن التعاطي الشفّاف مع المعلومات، والكشف عن الإصابات الحقيقية والإعلان عنها أمام الرأي العام، والتحذير من الوباء ودعوة المواطنين إلى الالتزام بالحظر والبقاء في المنازل من أجل تجنّب الإصابة والعدوى ومساعدة الكوادر الطبّية وتخفيف الأعباء 
عنها.
إنّ دور الكوادر الطبّية الجبّار، في هذه المواجهة الصعبة، إنّما يهدف إلى الحفاظ على أرواح النّاس وحماية البلاد وشعبها من خطر قاتل ومميت لا يمكن التهاون معه أو الاستهانة به والتقليل من أخطاره، والتعاون مع هذه الكوادر عبر الالتزام بالإرشادات والتوجيهات بهذا الخصوص إنّما يمثّل طريق السلامة للتخلص من أخطار هذا الوباء القاتل الذي يمثّل أصعب تحدٍّ للبشرية بعد أن تمكّنت من التخلص من أوبئة ظلّت خطيرة في الماضي، وكانت تهديداً خطيراً لها، كالطاعون والملاريا والكوليرا، التي سبق وأن عانت منها البشرية الأمرّين، وفقدت بسببها أعداداً مهولة وكبيرة من 
الضحايا.
المواجهة قد تكون مستمرة وتتطلب وقتا طويلا قبل أن يتم اكتشاف اللقاح النهائي الذي تعمل العديد من مؤسسات البحث العلمي المتقدمة على إنتاجه واستخدامه، وخلال هذه الفترة ستعاني الكوادر الطبية، ليس في بلادنا حسب, بل في مختلف دول العالم، من ضغط كبير وربّما حدوث إصابات ووفيات في صفوفها يمكن تجنبه من خلال توفير الدّعم الكافي لها وتأمين احتياجات المستشفيات من الأجهزة والمعدات الضرورية لذلك, فضلا عن التوعية بمخاطر عدم الالتزام بالتّوجيهات والإرشادات الوقائية التي تجنّب الإصابة بالفيروس وتحمي المجتمع من أخطاره ومآسيه 
وكوارثه.