هاتف جنابي: بداياتي عراقيَّة لكن نهاياتي مفتوحة

ثقافة 2020/04/19
...

   حاوره من بغداد/ حسن جوان
 

شاعر ومترجم عراقي مقيم في بولندا منذ ثلاثة عقود، أحد أعمدة الثقافة المهاجرة لا كشاعر فقط، وإنما كوسيط بين الثقافة البولندية والعربية، من خلال ترجماته الكثيرة ودراساته في الأدبين العربي والبولندي، وقد قدم للثقافة العربية العديد من الشعراء والأدباء البولنديين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كما نشط في نشر قصائده باللغتين.

بدأت حياته أكاديمياً بعد ان التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة بغداد وعُيّن فيها لاحقاً مُدرِساً للغة العربية، ثم انتقل إلى بولندا ودرس في جامعة وارسو وحصل منها على ماجستير ودكتوراه في الأدب العربي في العام 1983، عمل أستاذاً محاضراً في الأدب والثقافة العربية في جامعة وارسو.
من أعماله: وليمة الأسماك، موعد مع شفرة السكين، رغبة بين غيمتين، فراديس أيائل وعساكر، البداية والنهاية، مديح الطائر وغيرها من الترجمات والمجموعات الشعرية الشخصية. نال مؤخراً جائزة ألفريد كوفالكوفسكي من اتحاد ادباء غرب بولندا تقديراً لجهوده الأدبية والترجمية، وبهذه المناسبة تواصلنا معه فكان هذا الحوار الخاص بـ "الصباح: "
 
*كيف تأتّى لك أن سجلت حضوراً ارتقى الى هذا التقدير لدى اتحاد الأدباء البولندي؟ 
 
- وجدت نفسي في البداية في بلد لم أختره ملجأ لكنْ نظراً لانشغالي بتعلم اللغة وفي ما بعد بالبحث ومواصلة تحصيلي الأكاديمي والكتابة، نسيتُ فكرة الرحيل عن البلد المضيف خوفاً من الوقوع في براثن مغامرة ثانية لا تحمد عقباها. من بين أدوات الحوار والتفاعل مع محيطي الجديد المختلف جملة وتفصيلاً عما ألفته في موطني الأول هو تعزيز الاختلاط بالوسط الأدبي والثقافي عموماً، ثم ممارسة هواية أحبها تتمثل في القراءة المكثفة والترجمة التي أثبتتْ نجاعتها في جعلي مفيداً لمحيطي الجديد ولثقافتي الأم ولنفسي. بداياتي عراقية لكن نهاياتي مفتوحة.. 
 
*كيف وظفت مخزونك الثقافي ليمتزج بثقافة ثانية ويتقدّم فيها؟ 
 
 - كان ذلك في العام 1978 حين قمت بترجمة بضع قصائد من البولندية إلى اللغة العربية للشاعر الإسباني (بيثنته أليكساندره- نوبل 1977) ونشرتها بالعربية في لبنان سنة 1978. كان ما قمت به تحدّياً كبيراً لي لصعوبة القصائد ولترجمتها من لغة وسيطة. انتهزت فرصة حصوله على نوبل فكان ما قمت به إشارة مني بوجودي بعد غياب عن النشر بالعربية لمدة خمس سنوات. عدتُ إلى المسار الصحيح القاضي بترجمة الأدب البولندي مباشرة لأن ذلك دليل على تعاظم تمكني وانغماسي بلغة ثقافة أعيش في كنفها. شاءت الأقدار أن أعمل على جبهتين: جبهة الأدب والترجمة، والفضاء الأكاديمي. منذ العام 1980 بدأ اسمي يظهر في الإعلام البولندي تدريجياً باعتباري شاعراً، وتعزز هذا المنحى بصدور ديواني الشعري (كتاب الشرق: 1983) عن مؤسسة حكومية، وبداية مساهماتي في الندوات والأمسيات الشعرية والثقافية وفي المهرجانات الدولية البولندية التي تمكنت من خلالها التعرف على لفيف من شعراء وكتاب العالم. 
كان عليّ العمل بوتيرة مضاعفة قياساً بما يقوم به أهل البلاد كي أثبت حضوري فكانت الحصيلة عشرات الدراسات والكتب والحوارات معي وما ينوف على مئتي مساهمة في ندوة وأمسية ومؤتمر محلي ودولي. اشتغلت على نفسي كثيراً كي لا تسحقني سنابك الغربة، وتقلّبُ مزاج الآخر، وضيق فسحة الأمل الآتية من وطني الأم. وما بقائي على قيد الحياة ثقافياً وإبداعياً، سوى دليل على انتصار إرادة الإنسان. قرأت وكتبت وطبعاً ترجمتُ وحاضرتُ بمعدل (15) ساعة يومياً عبر 40 سنة! كان من نتائجها غبطة متعاظمة، وعزلة طوعية منتجة، ومردود خارجي يرقى إلى الإشادة. 
 
*بعد انغماسك في الادب البولندي أي الثقافتين تمتلك محركات أبلغ تأثيراً في أعمالك المنجزة بالعربية؟ 
 
- لم أتخلّ لحظة واحدة عن أهلي ووطني وثقافتي رغم إحساسي بالخيبة. أنا عراقي المنشأ والهوى. كل ما فعلته هو بهدف تعزيز الوجه المشرق للثقافة العراقية والعربية خارج حدودها. تشعبتْ محاولاتي في هذا المجال بسبب انعدام الخلفية الداعمة لي على صعيد بلادي وفضائي العربي. 
علينا تذكر حقيقة كون العمل الإبداعي جهداً فردياً لا يخرج عن نطاقه بدون ترويج له. من غير المعقول أن تكتب وتبحث، وتروج لنفسك. في دول العالم المتحضر هناك مؤسسات حكومية وأهلية تقوم باحتضان المبدعين والتعريف بهم لاعتقادها بأن ما تقوم به يصب في مجرى رفع مؤشر حضور بلدانهم في العالم، لا سيما في زمن دخول الثقافة والعلم على خط الكسب التجاري والهيمنة. 
  وصلتُ في ممارستي الإبداعية إلى نقطة الشعور بحرية الحركة بعد غياب الحاجز اللغوي والمعرفي بيني وبين البيئات التي أتحرك في فضائها. لاحظتُ نمواً في تقدير شعري، وكتاباتي، وما أطرحه، وترجماتي بحيث صار من الصعب الحديث عن جائزة في مجال الترجمة أو الشعر لأجنبي الأصل دون الإشارة إلى اسمي.
 
*كيف تقيم حصولك على جائزة ثقافة مُضيّفة لثقافتك وما أهمية ذلك لديك؟ 
 
- لم أكنْ في يوم من الأيام أسعى إلى نيل الجوائز واللهاث خلف سرابها. لكن حينما يلتفت إلى جهدك الشعري أو الترجمي طرف مهما كانت طبيعته فلا يمكنك الادعاء بعدم رؤية ذلك. حتى أنني أشعر بالامتنان والشكر لكل من كتب عنّي وتوقف ولو للحظة عند تجربتي الأدبية غير 
المنتهية. 
ولم تخرج ردة فعلي عن نطاق ذلك بعد حصولي على وسام الترجمة من قبل اتحاد الأدباء البولنديين في غربها والمتتبع يعرف لا مركزية عمل النقابات والجمعيات الأدبية والثقافية في عموم أوروبا التي تسعى كي تتميز في مجال ما. لهذا ترون تعدد أماكن منح الجوائز على المدن والمقاطعات. نحن بأمس الحاجة للدعم والتشجيع وحبذا لو كانت هذه الجوائز 
والأوسمة ذات مردود مالي كي تجنبنا تضييع الوقت فيما هو خارج العمل الإبداعي والمعرفي.
أنظر إلى تكريمي بغض النظر عن طبيعته ومستواه على أنه اعتراف بجهدي أولا، وإعلاء من شأن الفعل الإبداعي- الثقافي- المعرفي من جهة أخرى. وشخصياً، أنظر إليه على النحو التالي: أي نجاح حققته أو سأحققه إنما هو عرفانٌ وإهداء إلى أهلي ووطني وثقافتي العربية بمعناها 
الشامل.