الصدمة والتعافي

آراء 2020/04/19
...

محمد جبير
 

شكّلت الجائحة الوبائية صدمة كبرى للاقتصاديات العظمى في العالم لاسيما "الصين وأميركا"، ولكن ليس المشكلة في الصدمة ونتائج هذه الصدمة، وإنّما في كيفية التعامل مع هذه الصدمة والحدّ من النتائج الكارثية، فقد لجأت الصين إلى امتصاص هذه الازمة والتعامل معها بجدية عالية بغية احتوائها وتجاوزها والخروج إلى منطقة التعافي قبل أن تنهار اقتصادياتها التي باتت تشكّل تهديدا مباشرا للاقتصاديات الكبرى في العالم، لتنتقل الأزمة من القارة الآسيوية إلى قارة أوروبا وتفتك بعدد من بلدانها والتي لم تتخذ التدابير اللازمة للوقاية من هذا الوباء في بادئ الأمر، مما سمح للوباء بإصابة نصف الإصابات المسجّلة حول العالم، وتركها في حال التخبّط الذاتي في مواجهة الأزمة، بينما أدركت الصين خطورة تفشّي هذا الوباء فوقفت إلى جانب الدول الأوروبية الأكثر تضرّراً مثل إيطاليا قبل أن ينتبه الاتّحاد الأوربي على ذلك والذي اعتذر مؤخرا عن تقديم المساعدة، وهو الأمر الذي يشكّل مؤشرا جديدا إلى قدرة الدول الصاعدة اقتصاديا إلى قيادة العالم وإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية للعالم عن طريق إعادة صياغة "الدورة الاقتصادية" وفق المتغيّرات العالمية.
فقد أخذت تتبلور ملامح هذه المتغيرات بخروج بعض الدول من إطارات الهيمنة الاقتصادية والانفراد بالعالم إلى خطاب التعاون المشترك وتشكيل التكتلات الاقتصادية العابرة للدول أو للستراتيجيات المهيمنة، وذلك بغية الحفاظ على الشركات الكبرى من الانهيار أو إعلان إفلاسها، لاسيما بعد أن شهدت سوق العمل توقّف الكثير من الأعمال غير الضرورية وانتشار البطالة بين الملايين من البشر، إذ إنّ هذه الأزمة الاقتصادية تختلف كلياً عن أزمة 2008- 2009 التي ضربت بعض دول العالم جرّاء الانخفاض الحادّ في أسعار النفط، حيث كانت أزمة اقتصادية فقط، وتم تفاديها بالتفاهم مع الدول المنتجة، إلّا أنّ هذه الأزمة هي "اقتصادية – وبائية" كونية، وكلّ التفاهمات تصبّ في جانب تطوير الخدمات الصحية للوقاية من الوحش المفترس غير المرئي، هذه الملامح نراها في سعي بعض الشركات النفطية في تكساس للانضمام إلى أوبك بغية حماية شركات الانتاج والخدمة من إعلانات الإفلاس وانهيار الشركات الصغيرة والمتوسطة، واختفاء شركات كبرى، مما يعني إضافة جيوش من العاطلين إلى جيش "10" ملايين عاطل في أميركا فقط.
قد يكون أقرب تاريخ للتعافي من هذه الأزمة بعد انكماش الأشهر الستة المقبلة التي ستصيب الاقتصاديات الكبرى، وهذا التعافي يتطلّب خطوات جريئة في رسم ستراتيجيات حديثة تراعي التكامل الاقتصادي العالمي والروح الإنسانية المتجاوزة للنظرة التكنولوجية، وذلك في اتّخاذ تلك الدول إجراءات فورية في تخفيض مديونية الدول النامية والفقيرة إلى الربع بغية تمكين تلك الدول من القيام بإجراءاتها الدفاعية لمواجهة تداعيات هذا الوباء، وكذلك تفعيل القطاعات الصناعية وتسهيل عملها في إنتاج معدات الوقاية بما يتيح للعالم استخدام تلك المستلزمات الطبية بيسر ومن دون عناء مادي،أو البحث الشاق للحصول على تلك المستلزمات، الضمان الاقتصادي لجيوش العاطلين المتضرّرين من هذه الأزمة واحتمالية استمرارها لفترة طويلة قد تمتدّ إلى نهاية العام الحالي، قيام البنوك الدولية بتوفير القروض للدول المحتاجة بشروط ميسّرة تمكّن الدول المحتاجة من النهوض باحتياجاتها الإنسانية والاقتصادية بعيدا عن ضغوط السداد العاجلة، هذه الخطوات قد ترسل رسائل اطمئنان إلى الإنسانية جمعاء في إمكانيات التعافي وتجاوز هذه المحنة بتجسيد روح التكافل والتعاضد الكوني.