التعالق البنيوي ما بين الاقتصاد والفكر الأدبي والثقافي

ثقافة 2020/04/23
...

بغداد/ مآب عامر
 
قد يكون الحديث عن تأثر الثقافة بالتغيرات الاقتصادية بعد تفشي أزمة فيروس كورونا المسجد وربما الانهيارات الاقتصادية ضرورة ملحة لتحديد التوجهات التي يمكن أن تُمارس عبرها اشكال مختلفة من الفكر الأدبي.
إذ يرى الناقد الدكتور عمار الياسري التعالق البنيوي ما بين الاقتصاد والفكر الأدبي والثقافي عموماً يعد تعالقاً كبيراً، إذ نرى في الدول الكبيرة الأثر الإقتصادي الكبير على السينما والمسرح والتشكيل والموسيقا والادب، حتى أضحت الأجناس الأدبية والفنية منابع جمالية للتربية والاقتصاد.

تقويض الوعي
 ويقول الياسري إن: العملية تكاملية تعتمد مبدأ الاخذ والعطاء، وبالنتيجة أن أي أختلال في هذه المعادلة سينعكس سلباً على الوضع الراهن من الناحية التوعوية والمادية.
 ويطرح الناقد السينما على سبيل المثال، إذ تعد مورداً كبيراً للعديد من الدول، ويقول إن دولة مثل مصر تنتج العديد من الأفلام التي تعرض في الداخل والخارج والتي يعمل بها الاف من العاملين، وهذه الأفلام تعد مورداً كبيراً للعاملين والدولة والحال ذاته مع الموسيقا والرواية وغير ذلك.
 ويشير إلى أنه حينما تتوقف المطابع بالتأكيد سنشهد ركوداً في المطبوعات الأدبية فضلا عن انحسار المهرجانات والمؤتمرات والمسابقات، فالانهيارات الإقتصادية ستقوض كل الآثار الجمالية مما ينعكس على تقويض الوعي الإنساني من جهة وتقويض سبل الحياة من جهة أخرى. 
 
المثقف أبن البيئة
أما رئيس اتحاد ادباء وكتاب صلاح الدين الدكتور غنام محمد خضر، فيعتقد ان الإنهيار الاقتصادي سيكون الأثر البالغ على المثقف، ويتساءل كيف لا والمثقف ابن البيئة التي يسكن فيها  فيؤثر ويتأثر بالتقلبات التي تطرأ عليها.
ويقسم خضر هذا التأثير لقسمين سيساهم الأول في تغيير الفكر الأدبي بشكل خاص ولعل هذا التغيير يأخذ اشكالاً عديدة منها ما يتعلق بالحياة الخاصة للمثقف الذي لديه أسرة وعليه متطلبات كثيرة فيعود الى ترتيب اوراقه المنزلية من مأكل ومشرب ومتطلبات الحياة التي تشغله عن كل شيء اخر وقد يؤدي هذا الى تركه المجال الإبداعي لاسيما ان كان من ذوي الدخل المحدود.
 ويقول أما الشكل الثاني فهو الذي يتعلق بالفضاء العام فيتفاعل المثقف مع هذه الأزمة ابداعياً ليناقشها ويطرح حلولًا لها من خلال نصوص ابداعية او نقدية او مذكرات، وبالتالي نجد الفكر الأدبي يتغير  ايضاً عن سابقه وبالتأكيد من ينشغل بهذا الشكل هو المثقف الذي لديه موارد اقتصادية ثابتة. 
وبالتالي فهذه دعوة الى الحكومة للوقوف على حاجات الأدباء والمثقفين وتأمين حياة كريمة لهم لاستثمار هذه الطاقات في الاستمرار بالإبداع وتجديد الفكر الأدبي في أصعب الظروف، وفق رأيه.
 
الآثار المترتبة
ويتساءل الناقد الدكتور علي متعب جاسم في بداية حديثه، كيف يجري تحسسنا لوجه العلاقة بين الشعر والازمات الاقتصادية؟
ويرى أن هذا السؤال لا يمكن أن يختصر بهذه المسافة بين طرفين معقدين جدا ومتشابكين جدا على الرغم مما قد يبدو من انهما يجريان في مدارين مختلفين . 
ويقول "على وجه الاجمال لا التفصيل، ثمة مداخل متعددة لا بد من الانتباه اليها أولا وهذه المداخل تقودنا ضمنا الى رصد العلاقة وتحسسها".
ومنها بحسب جاسم ما يتعلق بالاساس الاول لوجود الادب بشكل عام هو اساس وظيفي . بمعنى ان لم تكن هناك حاجة لقبوله من لدن افراد الجماعة – لأي سبب كان- تنتفي الحاجة له. وهو ما يعني انه خاضع لطبيعة المنظومة الاجتماعية التي يشكل الاقتصاد احد ابرز ركائزها ، واذا كانت اللغة بشكل عام لا تستمد قيمتها الا من الاستعمال كما يرى المهتمون  فان الخطاب الثقافي " الادبي تحديدا " بصفته صناعة تعتمد اللغة بدءا ينحو هذا المنحى.
وكما يقول باختين " ان علاقات الانتاج والبنية المجتمعية السياسية الخاضعة مباشرة لشروطها يحددان كل الاتصالات اللفظية الممكنة ".  
لذا لاحظنا بداية ظهور بعض المفردات والمصطلحات في بعض اللغات وقد  كانت من نتاج الازمة الحالية، يصبح ثالوث الازمة اذن " مؤثر اقتصادي- منظومة اجتماعية - خطاب ثقافي.. مع امكانية تبادل الادوار . 
أما المدخل الثاني فيقودنا بحسب الناقد إلى مدخل اخر للتفكير ويتمثل بطبيعة التعاطي والتأثير. وقد لاحظنا اتساع التفاعل الالكتروني على حساب القراءة الاخرى "ورقية أو سماعية" والطبيعي جدا ان تختل موازين اقتصادية –وفقا لهذا- وتتراجع قيم لحساب اخرى. وهو ما ينتج ازمة اقتصادية للمؤسسة النشرية – صحفا أو دور نشر أو غيرها ولاسيما للقطاع الخاص .
ويرى الناقد أن المدخل الثالث يتمثل بـ " الصياغة الفنية " على مستويي المعنى وانتاجه فنيا . ثم طبيعة استهلاكه . 
ويقول " لاحظنا ان التحولات الكبرى – وهي في الغالب – نتاج تحولات اقتصادية كبرى، أدت إلى استيلاد اشكال ادبية واجناس منتزعة من غيرها ، وهو ما نتوقع ظهوره تدريجيا . كما نتوقع خطابا نقديا متلائما من حيث " المتابعة والتركيز" أي " استهلاكا اقتصاديا يتناسب مع طبيعة الازمة.  ذاك أن الازمات الاقتصادية لا تنتهي اثارها بزوال المؤثر فهي تنتج تفكيرا ورؤية مختلفة عما قبلها ". 
وفي المدخل الرابع – وفق الناقد - لابد من قلب المعادلة الان بمعنى هل سيؤثر الخطاب الأدبي عموما وينتقل من مستوى المتأثر الى المؤثر وكيف ؟. 
بالعودة إلى " المدخل الاول " نتوقع ظهور نصوص  " تحلل او تصور او تقترح " الاثار المترتبة على "الازمة" لكن يبقى الدور الاهم لمنتج النص وعيا ومخيلة وادراكا ، كما يقول.