القراءة المتأنية لتجربة الشاعرة والقاصّة السورية امل سلمان في ديوانها "نفحات الروح" قد تكشف حالة شعرية مختلفة ، خاصة انه يعدّ باكورة اعمالها، اذ صدر حديثًاً عن دار "سوريان" في دمشق... فمنذ القصائد الاولى لا تخفى على المتلقي النبرة الخاصة في شعرها الذي يتجلّى فيه لون من الشعر الوجداني، بمذاق شفّاف ينساب ويتغلغل في النفس بعذوبة ورفق، بتلك التلقائية والدفق والوضوح، التي لا تفارق خاصية الانفتاح على الحياة ، وعلى الطبيعة، واشياء العالم الخارجي، برؤى حلمية وصوفية، من معطيات الواقع ونفحات الخيال بعيداً عن معضلات التجريب والتشكيل والتفلسف التي ينوء بها معظم الشعر الحديث.
فقصائد "نفحات الروح" ممتعة بطبيعة عالمها وخطابها الشعري المترع بالحوار مع الذات، والماضي، ومحنة الوطن، ومخاضات الروح، واسرار الاحزان، وتجربة القلب..
هل تعرف
لماذا اليك وعنك اكتب؟!
لان الصباح اليك يرحل
ولان الزهر لك وحدك
يطلع.
ولان الشوق مثل غيوم الشتاء
بخصب حبك
يمطر..
في تصوري، ان تجربة الشاعرة "امل سلمان" تعدّ نسيجاً متداخلًا ينهل من نزعتها الصوفية والوجدانية، ومن موهبتها واتساع افق ثقافتها، فاشعارها مثقلة بـ"نفحات الروح" المسكونة بذلك التوتر الداخلي والايقاع الغنائي، عبر لغة محلّقة، ترسم الصور، والحركات والافعال والمرئيات لتندمج كلّها داخل بوتقة التشكيل الشعري والتفاعل الدرامي بطاقة ايحائية ورنين خاص.
في افق الروح
انطفأت شمعتي
واسكنت في ظلمة حجرتها
وردة..!
كبيرة تلك المسافة كالابدية
وتحيا.. في اعماق الروح
جذوة..!
مازلت نبضاً من يراع
ان تشتت الوجود فهو في احشاء
الزمان طفلة..!
عالم الشاعرة امل سلمان يذكّرنا بالعلاقة الحميمة بالليل والشجر والزهر، الرغبة والذاكرة، بالطفولة الضائعة، بالحياة التي تتوق الى تخطي آلام الشقاء والموت.. وعبر خطابها المميز بحساسيته المبتكرة استطاعت ان تراكم الحسّ على الحسّ. انها موسيقى بالحان الوصل والتوقّد والفرح، بما فيها من تلقائية وطاقة للاخيلة. وهي تعزف تنويعات على ثيمة الروح، اذ نرى كيف ترسم افكارها وتخلق عالمها بمهارة وايقاع مؤثر في النفس، باستثارة ذاكرتها وقدراتها السردية الرائعة، بوصفها قاصّة مبدعة قرأنا لها العديد من قصصها الجميلة المنشورة في اماكن مختلفة. لذلك احتوت قصائدها على "موتيفات" مكثّفة، ولقطات سريعة، اعتمدت الايقاع الموحي بحساسيّة مرهفة تأسر القارئ بحس وعاطفة خلّاقة. برغم ان قصائد امل سلمان ليست رومانسية بالمعنى الشائع، لكن تأتي رومانسيتها بمعناها الصوفي العميق عندما تكون شحنًا يغلّف الاشياء، كما يغلف الضباب النهر، اي في لون من الشعر الوجداني الرقيق الذي يفتح آفاق الروح على اشياء العالم، بنسمات دافئة واليفة، بايقاع متناغم ينثال بعذوبة، بعيداً عن نزعة الغموض والتفلسف والتجريب..
اه.. لو..
كنتَ المخاطب
وكانوا الغياب
وكنتَ المكنّى وكانوا المجاز
وكنتَ السرمديّة
في الق الحضور
وكانوا في رحم
الوجود
الضباب..
في شعريّتها يتحقّق زخم تأثيرها عبر الاشارة والكشف السريع الى ما وراءها، خلال رسائل، مثل تدفق نفثات تشدّ القارئ، بجمل شعريّة لها شفرتها الخاصة، ضمن بنية النصّ بغية تحويل الواقع الى نوع من السحر والايهام والوجد..
ومن بين خصائص عالم الشاعرة امل سلمان ولعها في كشف ما هو متخيّل وغائر في النفس بفرشاة شديدة الحساسية والرهافة، في محاولة للغوص في متاهات الاشياء، لمنح شعرها فضاء اوسع دلالة وعمقًا، فضلًا عن لجوئها الى استثمار الاجواء الحلميّة لتؤلف رموزاً صوريّة، تثير فينا الحزن والفرح او تشير الى النشوة والانكسار..
ان قصائد امل سلمان لا تتحدّث، انما تبوح عبر الصور المتحرّكة، او ما يمليه مناخ الصورة، مؤكّدة ولعها وقدرتها في رصد المشاعر واحتدامها، وتشظياتها في مرايا الروح الهائمة خلف الاشجار وفي الطرقات
الظليلة، او وراء الستائر المسدلة، وتحت الضوء
والمطر...