حميد المختار
منذ راوية (بحيرة المساء) افتتنت بهذا السارد المهم، تتبعته طويلا منذ ثمانينيات القرن المنصرم، فعثرت على رواية (مالك الحزين) التي تحولت إلى فيلم بعنوان (الكيت كات) وقد حقق شهرة واسعة واقبالا جماهيريا كبيرا، ثم تواصلت اعماله السردية بالصدور، اذكر منها (حجرتان وصالة: متتالية منزلية) و(حكايات من فضل الله عثمان) وهي مجموعة قصصية و(شيء من هذا القبيل) لم يجنس الكتاب ولكنه يحتوي على قصص قصيرة و(يوسف والرداء) وحاله كحال سابقه بلا تجنيس وهو يحتوي أيضا على قصص قصيرة هذا الكاتب لايكتب سيناريو فيلم معين، لكنه يكتب بطريقته التلغرافية الدقيقة، يرسم الكلمات ثم المشاهد والشخصيات والمكان المتحول من غرفة إلى مؤسسة إلى شارع إلى نافذة إلى شجرة إلى بوابة كبيرة للعمارة إلى مجموعة من الموظفين او مجموعة من المراجعين كما في روايته المهمة (وردية ليل) التي استطاع فيها ان يقدم أناس الهامش إلى مصاف المتون المضيئة، فهي رواية المهمشين بامتياز وهو اي- ابراهيم أصلان - تخصص في تقديم هذه النماذج الضائعة والمنزوية في معظم اعماله السردية، بلغة مقتصدة مرسومة ومكثفة، كما أنه استطاع ان يقتنص الكثير من يومياته ويحولها إلى مشاهد وحكايات في نصوصه السردية، لأنه لا يريد أن يدخل في معترك السير الذاتية ولا المذكرات، لأن مشروعه السردي صار مكتنزا بحيوات أناس الهامش المنسيين وصارت نصوصه علامات في رصد كل حركة ونأمة يقوم بها هؤلاء بعيدا عن المركز والأضواء، فهو معروف عنه قدرته على استكناه الأبطال وذواتهم فيقوم بتقديمهم على سطح النص وعلى القارئ الحصيف ان يقرأ جوانيات هذا النص لأنه يدعوه إلى استبطان الشخصية في نصه الخالي من الحدث وتسلسله وذرواته، اذن فهناك ظاهر هو الشكل السردي للقصة وعرض الشخصيات ووصف حركاتها، وهناك الباطن الذي ينتظر القارئ المغامر في التوغل عبر السطح إلى أعماق النص التي إضاءها هذا الكاتب المقتدر، فقد اطلق الناقد صبري حافظ على هذه الكتابة السردية بـ(جبل الجليد العائم) تعريفا لكتابة اسماها ارنست همنغواي هكذا بالكتابة التلغرافية، لأن المسكوت عنه والمضمر والمخبوء في هذه الكتابة لايقل أهمية عن النص ذاته، بل هو أكثر أهمية مما تناوله السارد في متن النص، هذا النص الخالي من الاحداث الكبيرة، لذلك ستبقى رواية (وردية ليل) علامة مضيئة في تأسيس نصوص غايرت جماليات الكتابة السردية التقليدية، التي تعتمد على اللغة الفضفاضة والحبكة وتنامي الحدث، فهي تجربة ثرية ومتفردة استطاعت ان تحفر ليس في المكان حسب وإنما في الزمان وتخلق بل وتبعث شخصيات مسحوقة ومقهورة ومبعدة لتأخذ صدارة المكان في النص السردي بامتياز، ان عوالم ابراهيم أصلان في معظم اعماله هي عوالم الدفء والعاطفة الإنسانية المترعة بالاحاسيس والقدرة على التآلف والتواشج بين ذوات البشر.