محمد شريف أبو ميسم
بعد أن فرضت جائحة كورونا ملامح متغيرات اقتصادية كثيرة على العالم، فضلا عمّا يُقال بشأن انخفاض تلوث الهواء في أكبر مدن العالم جراء الاغلاق وانخفاض معدلات انبعاث الغازات والعوادم من المصانع والآليات والسيارات، بات يلوح بالأفق تأثير محتمل للجائحة على الموروثات الثقافية، اذ لم يقتصر فرض واقع التباعد الاجتماعي على اتباع أنماط من السلوك غير تقليدي جراء التطبيقات الوقائية الصارمة، بل انسحب على تلك الموروثات التي تبلورت عن تراكمات زمنية على مدار تاريخ نشوء المجتمعات. فكان التباعد القسري في مجتمعات عرف البعض منها وخصوصا الشرقية المعروفة بالحميمية المصحوبة بالعناق والقبل عند إلقاء التحية، مدعاة للنظر في احتمالات التمهيد لتغيرات بنيوية في مجموعة العادات والتقاليد والأعراف التي تحرص المجتمعات الشرقية عليها دون تنازل بأشد الظروف قساوة، بوصفها ممارسات واجبة أملتها المجموعة القيمية الثقافية.
ومنها زيارة المريض وحضور الجنازة ومجالس العزاء والتزاور، فضلا عن ممارسات الفرائض الجماعية التي تشكل أولوية بالغة القدسية في المجتمعات الاسلامية مع حلول رمضان المبارك.
وبدا هذا الأمر للوهلة الأولى محض سلوك آني مصحوبا بالإرباك وربما السخرية، في عموم المجتمعات العالمية، وهذا ما أظهرته على سبيل المثال تسجيلات فيلميّة للمستشارة الألمانية ميركل والرئيس الأميركي، وهما يتعرضان لمواقف محرجة أو مضحكة بعد امتناع البعض عن مصافحتهم، ولكن الأمر سرعان ما تحول الى ممارسة فردية تمليها معايير الوعي والثقافة الصحية، وتحفزها وصايا المؤسسات الصحية في عموم البلدان.
وأزاء هذا السلوك السيء، سيكون التكرار على مدار عمر الجائحة- طال أم قصر عمّا هو متوقع حتى نهاية هذا العام- دافعا نحو انزياح بعض من ملامح الممارسات الموروثة في العالم لصالح ما أعدته أدوات العولمة الثقافية من نشاطات واهتمامات شبابيّة اتسمت بالقطيعة مع الكثير من ملامح الموروثات الثقافية، بعد أن أصبح العالم الشبابي متشابها في المعمورة في الأولويات، تتقدمها الأنماط الاستهلاكية مأخوذة بالمؤثرات السمعية والبصرية، وبالتقارب الافتراضي.
وهنا نستحضر قولا للكاتب الليبرالي الفرنسي باسكال سلان في كتابه "الليبرالية" (يجب أن يدرك الشباب أنّه بالامكان تصور أنماط أخرى لمجتمعات مغايرة للأشكال التي يعرفونها ومن الممكن إخراجها الى حيز الوجود) مع التذكير بمرحلة الاشتغال الطويلة على مدار عمر ثورة المعلومات والاتصالات التي استهدفت العقل والذائقة. وقد لا يتحرّج فيروس كورونا الذي كان جلّ ضحاياه من المسنّين على الإطلاق من تأكيد هذه النتيجة وتنحية الثقافات الموروثة لصالح الأنماط المجتمعية التي بشّر بها "سلان" تحت أولوية السلامة العامة.
بعد أن كان حليفا داعما، لمن أراد خفض أسعار النفط بالتزامن مع مرحلة النضوب التي تحدثت عنها نظرية "قمة هوبرت" وهي تبيّن طبقا لدالة أسيّة أنّ قمة انتاجها العالمي كانت في العام 2010 وان مرحلة النضوب تبدأ بحلول 2020 وصولا للعام 2050 متوقعا حصول حرب كونيّة جراء الصراع على مصادر النفط، فضلا عن ضرب الاقتصاديات القائمة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتغيير خارطة التجارة وتوزيع الأسواق تجنبا لهذه الحرب.