تفريعُ الأعين من الدمع!

ثقافة 2020/04/26
...

اسعد الجبوري
 
دونكيشوت: أتعرف ما يجول بخاطري الآن يا سانشو؟
سانشو: ومن أين لي أن أعرف .فأنا قطعة غيار من اللحم، ولم أصل لمرحلة المسبار. ولكن ما معنى "يجول"؟
دونكيشوت: كان عليك أن ترعى في المعجم يا سانشو لتدرك وتعرف وتنفجر بالمعلومات وتفاصيل اللغة. ومن أجل ذلك عليك أنْ تستفيد من أصل هذا الفعل: "جالَ يَجول، جُلْ، جَوْلاً" 
سانشو: لم يصلني المعنى بعد يا سيدي الدون.
دونكيشوت: من أين أجيء إليك بشاحنة زيل، لتقتحم رأسك وتلقنك درساً في اللغة. فما قصدته من وراء ذلك الفعل، يأتي ضمن هذا المعنى المثل: "جَالَتْ فِي خَاطِرِهِ أَفْكَارٌ سَوْدَاءُ: طَرَأَتْ عَلَى بَالِهِ" أفهمت الآن؟
سانشو: أجل يا سيدي أجل. وما عليك إلا أن تدلّني على الشخص الأرعن المجنون الذي جلب لرأسك مثل تلك الأفكار السوداء الشبيهة بالباذنجان؟
دونكيشوت: اللعنة عليك وعلى الباذنجان يا سانشو. أنا أحدثك عن الأفكار التي تقلق رأسي، فيما أنت مشغول بالباذنجان، وكأن رأسي طنجرة طبيخ!!
سانشو: الآن فهمتك يا سيدي الدون. رأسك ليس طنجرةً، علماً أنَّ الكثير من الأفكار تُطبخ في الرؤوس طبخاً كما سمعت ذلك من التلفزيون مرات ومرات.
دونكيشوت: دعْ فلسفتك جانباً. وحاول تذكيري بضرورة أنْ نعرج على مكتبة المدينة الفاضلة من أجل أنْ نشتري بعضاً من الكتب. ولكن قل لي يا سانشو: هل سبق لك وأنْ قرأت كتاباً للمنفلوطي؟
سانشو: كلا وأبداً. فقد منعني أبي من قراءة كتب ذلك الرجل خوفاً علىّ من الكآبة. فوالدي كان يعتقدُ بأنَّ من يقرأ قصةً من قصص السيد المنفلوطي، مثله مثل من يدخل في تابوت ويغلقه على جثمانه الحيّ، وثم يشخر منتظراً هبوط عزرائيل عليه من الجو، لينتزع من يدهِ الكتابَ أولاً، ومن بعد ذلك يلتقطهً في نزهةٍ قصيرة ،فيودّعهُ تحت تراب المقبرة بهدوء.
دونكيشوت: كأنك تتجنى على الكاتب المصري السيد مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب النظرات والعبرات ومترجم (صراخ القبور) ومعُّرِب (تحت ظلال الزيزفون) وسواها من الأعمال الأدبية الأخرى. لمَ كان والدك حاقداً على الكاتب المصري – التركي ذاك؟!
سانشو: لأنه جلب له العمى من كثرة البكاء على البطل (استيفن) بعدما وقع بحب ماجدولين شر وقعة في تلك الرواية التي حرّفها المنفلوطي عن رواية الفرنسي (ألفونس كار) وكتبها بنفسهِ الفجائعي حرقةً وعويلاً وندباً، فكانت أجمل كارثة رومانسية تختتم بانتحار ماجدولين ومن بعدها 
استيفن.
دونكيشوت: ما منعكَ عنه الأب من قبل، سأسمح لك به أنا الآن يا سانشو.
سانشو: تطلبُ مني أن أتثقف بالعمى يا سيدي الدون؟!!
دونكيشوت: ليس الأمر هكذا يا سانشو. فقبل أنْ تقرأ تلك الرواية، عليك تفريغ عينيك من الدمع لتُبعِدَ عنهما العمى، فتستكين للراحة الذهنية.
سانشو: وإنْ عميتُ أنا، كيف سأواصل قتال الأعداء المتربصين بنا خلف التلال؟
دونكيشوت: لا تكترث للأمر. سنقوم بطباعة (العبرات) و(ماجدولين) ونسرّبها لهم. فربما هي أفضل طريقة للخلاص منهم.