اتحادات الأدباء تبتكر فضاءات جديدة للإبداع
ثقافة
2020/04/26
+A
-A
البصرة/ صفاء ذياب
كان للالتزام بقرارات خليّة الأزمة لمواجهة جائحة كورونا أثر واضح الحياة عموماً، لاسيّما الحياة الثقافية التي أعلنت استسلامها لتوقّف النشاطات الإبداعية التي تتطلّب التجمعات والتفاعل المباشر، ما أدى إلى غلق أبواب اتحادات الأدباء في عموم العراق، وإلغاء المهرجانات والفعاليات الثقافية عموماً.
غير أنّ هذه الاتحادات، وانطلاقاً من دعوة الاتحاد العام في بغداد، لم تشأ أن تقف صامتة من دون أن تضيف روحاً على حياتنا التي غدت صامتة بالحجر المجبرين عليه، فانطلقت دعوات لإقامة جلسات ثقافية إلكترونياً من خلال الصفحات الرسمية لهذه الاتحادات، فبدأت جلسات يومية في صفحة الاتحاد المركزي، ومن ثمَّ في صفحة اتحاد النجف، لتتبعها صفحة اتحاد البصرة واتحاد ديالى وغيرها من الاتحادات، وهكذا عادت الروح مجدّداً للمتابعين للثقافة العراقية، وجلسات اتحادات الأدباء في أغلب المدن العراقية:
هاشتاك
يقول الشاعر عمر السراي، المسؤول الإداري والناطق الإعلامي في الاتحاد العام للأدباء والكتاب ببغداد، إنه التزاماً بالحظر لمواجهة (كورونا)، وللحفاظ على الأرواح وسلامتها، أطلق الاتحاد مبادرة (#اتحادك_في_بيتك) وقد شملت هذا المبادرة جلسات تفاعلية للأدباء في شتى أجناس الأدب، عن طريق منصّات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن نشر مجموعة كبيرة من الكتب الالكترونية بمبادرة (#إقرأ_في_بيتك)، ونشر فيديو لجلسات الاتحاد المصورة والمخرجة على قناة الأدباء عن طريق مبادرة (#تابع_في_بيتك). وقد استحصلت هذه المبادرات تلقّياً جيداً، كما أسهمت في تعميق روح الثقافة ونشرها، وتكثيف التواصل بين الأدباء، وبين جمهورهم ومحبيهم.
ويضيف السراي أنّ الهدف الأساس هو التواصل من أجل الحياة، وملء الوقت بالنافع والممتع، والجميل بالأمر، كما أن عدداً كبيراً من المعنيين بالثقافة يطالبون باستمرار هذه الفعاليات حتى بعد كسر الحظر، لذلك سيستمر هذا المشروع، ويتم تطويره ليصبح رديفاً للجلسات التي تجري على أرض الواقع حتى بعد رفع الحظر والخلاص التام من تهديد الوباء.ويرى السراي أنّ ملء منطقة التواصل الاجتماعي شيء مهم، وإشاعة الأصوات المبدعة في المنصّات الإلكترونية أمر صار ضرورياً، فالإعلام المجتمعي متمثّلاً بهذه المنصّات صار شبيهاً بالواقع، وبث أصوات رصينة لها حضور على أرض الواقع في هذه المنطقة سيحسر تأثير الأصوات التي هيمنت على التواصل الاجتماعي قبل أن تكتمل تجربتها حقيقة، ويعرّف المتلقين بمواهب لها حضورها على مستوى التأليف والنشر والمحاضرات والجلسات، فمع الوظيفة الثقافية هناك وظيفة تعليمية وتربوية في الدخول لهذه المنصات... ولعل المقبل سيشهد تفكيراً جدّياً بتطوير هذه التجارب، ودفعها للأفضل، وبقي ما تجدر الإشارة إليه، أن هذه التجربة، وثّقت الارتباط مع أدباء خارج الوطن، وجعلتهم مطّلعين عن كثب على تجارب زملائهم والعكس.
نافذتان للتواصل
ويشير الشاعر حبيب السامر؛ نائب رئيس اتحاد أدباء البصرة، إلى أنه في ضوء المعطيات الجديدة التي ألقت بظلالها الثقيلة، كان من الأجدى أن نفكّر بطرق عملية للتواصل مع المجتمع، مستثمرين تواجد الجميع في بيوتهم، ولكي نخرج من حالة الركود التي انتابت المجتمع، وعلى الرغم من وجود منافذ عدّة بإمكان المثقّف أن يلجأ إليها، وعلى وجه الخصوص الأديب والفنان بمختلف توجّهاتهم. لكن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة بادر إلى استثمار النافذة الزرقاء، وعبر منصّات التواصل الاجتماعي لعمل الجلسات الإبداعية تقنياً، وعمد اشتغالنا على طريقتين، الأولى أن يضيّف الشاعر أو القاص أو الكاتب في مبنى الاتحاد، وتنقل الجلسة في وقتها المعتاد، بعد أن يتم الإعلان قبل وقت مناسب. وقد لاقت رواجاً وحضوراً مميزاً، ومن جميع الأوساط. وعادة تجرى هذه الجلسة في موعدها المحدد وهو السبت. أما الطريقة الأخرى، وهي الانفتاح على المغتربين البصريين خارج العراق، ليفتحوا نافذة وحسب توقيتات بلدانهم، وكانت الجلسة الأولى مع الشاعر والروائي وديع شامخ عبر صفحة اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، كانت فرحتنا كبيرة ونحن نرى عدد المتابعين والمعلقين في الجلسة الكترونيا، ولهذا نحاول أن نفكّر بالجديد مع كل مرحلة.
متلقّون جدد
من جهته، يبيّن القاص علي العبودي، المسؤول الاعلامي لاتحاد أدباء النجف، أنه بعد اجتياح جانحة كورونا لجأ الجميع الى الالتزام بضوابط خلية الازمة، وبطبيعة الحال صار الأديب أسير جدران بيته مرغماً ويحتاج الى تنفيس بسيط كي يعيش ما تعوّد عليه من حضور الفعاليات أو الندوات ويتخلّص من ملل أو فتور قد يسيطر عليه ويعرقل مسيرته الإبداعية.. فابتكرنا فعاليات عن طريق التواصل الاجتماعي المتاحة الكترونياً (البث المباشر) مما دفع الجميع في بيوتهم أن يقدّموا الشعر أو القصة أو موضوعات ثقافية مختلفة.. فضلاً عن ذلك، صار اهتمامنا أولا بشريحة الشباب كي تجد فرصتها بالظهور وليعرف المتلقّي قدرة الشباب المبدع من رسم الجمال في الأذهان وأن الأدب النجفي بشعره ونثره يرسم مستقبل الإبداع.
ويضيف العبودي أنّ الاختلاف في هذه الفعاليات عن سواها بين جدران مؤسسات ثقافية هي أنها أتاحت لأكثر من المتوقع في الاستماع والمشاهدة لها وقد وصل العدد إلى الآلاف لمشاهدتها إزاء عدد الحضور في الجلسات الرسمية في أبنية تلك المؤسسات الذي يصل إلى العشرات فقط. والمتحدث يكون هو مدير الجلسة ومعدّها، وله حرّية اختيار موضوعاته في القراءة والحوار مع مستمعيه.
تقاليد جديدة
ويرى الشاعر علي فرحان، في اتحاد أدباء ديالى، أن فعاليات التواصل الثقافي الإلكتروني في مجتمعاتنا التي تعاني قطيعة مع الحضارة الرقمية إن صح التعبير، فرضها وباء كورونا بعد أن استطاع أن يجعل العالم ينصتُ بكثير من الهلع لناقوس خطر تغافلنا عنه سابقاً، ككوابيس المجاعات والحروب والكوارث البيئية والطبيعية التي كانت ثمار تغوّل أنظمة ومؤسسات، وأفراد أيضاً. فكان اللقاء الثقافي الالكتروني رد فعل للتشبث بنوافذ يطل من خلالها المثقف والإنسان بشكل عام على عالمه المهدد، أراها تلويحات ودعوات لتأصيل الحياة في عالم مفترض نحرص على تأثيثه بأدوات جديدة في طرق التواصل والحوار. أما عن الفوارق بين الجلسات الحية والإلكترونية، فيجيب فرحان أن الفرق كبير في التواصل الالكتروني لهذه الفعاليات، وتميل كفته بالتأكيد للحضارة الرقمية، فالمؤسسات الثقافية الوصول إلى المبدعين ولا تحدّها ظروف الجغرافيا أو كلفة الاستضافات المادية، ناهيك عن أن مسرح الفضاء الالكتروني يتّسع إلى ما لا نهاية من الجمهور، وهذه نقطة في غاية الأهمية للتعريف بثقافات وإبداعات متباينة مكانياً وزمانياً، فضلاً عن توفير مساحة أوسع وباستمرارية لا متناهية أيضاً.
الحوار والمناقشة
كما بودّي أن أشير من خلال متابعتي لبعض هذه اللقاءات إلكترونياً ومقارنتها بالفعاليات التقليدية سابقاً، أجد أن الفاعل أو المثقّف الذي تتم استضافته يكون أكثر أريحية وسيطرة في تقديم أفكاره كما لا تخلو هذه الفعاليات من سنّ تقاليد أراها أكثر فعالية وانسانية في التعاطي مع الأفكار والرؤى.