حسن جوان
ما أن بدأ منحنى الخط البياني لذروة الوباء الفيروسي بالانحناء في غالب بؤره العالمية، أو تسطّح ذلك الخطّ نحو ما يسمّى بمرحلة التهضيب البياني، حتى أخذ بالتصاعد خطابان في الاعلام السياسي، سيعمل قادة الدول المنكوبة صحياً واقتصادياً على ربطهما بأكثر من وشيجة لبلوغ ذروة سياسية قادمة بشبه اجماع دولي كما تشير كثير من القراءات لمراقبي الحراك السياسي هذه الأيام.
يتمثّل الخطاب الأول بحرب المعلومات المتناقضة لعلماء وخبراء الصحة في المعسكرات المتضادة حول موقف تخليق الفيروس في مقابل استحالة ذلك علمياً، وهو ما ينبني عليه موقف سياسي متنافر يجنح نحو توجيه اللوم للآخر، وهذا ما يمكن اعتباره سابقة علمية يتخبط فيها المجتمع الصحي، أدّت بدورها الى احداث فوضى معلوماتية ألقت بظلالها على التفسير المجتمعي للأثر الوبائي الذي ينشغل به الافراد، في ما يترك نصيب حرب الكلام في اصل المشكلة وملفها المعلوماتي لمن ينتظر مرحلة الاستثمار السياسي لطبيعة الصراع.
سوف يحاول عمّا قريب تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة في مرحلة يجري إعدادها هذه الأيام من صياغة تفسير ما جرى عبر إلقاء اللوم على طرف بعينه او عدة أطراف، سعى الى تخليق الفيروس او اهمل في حجره، لتحميله الخسائر المادية والبشرية لهذه الجائحة، وهو ما يتساوق تماماً مع احتساب التوجه السياسي في إدارة النزاع والتنافس في النظام العالمي القائم او القادم بشكل حاسم. المخاطر المقبلة تعتمد على ردود أفعال الأطراف المتجاذبة في المسرح القريب لصورة العلاقات الدولية المقبلة، والتي يتمادى البعض في التحذير من احتكاكات عسكرية مباشرة اذا اقتضى الامر.
الخطاب الثاني الذي يتعالى بالتوازي مع ازمة الوباء العالمية هو ما يترتب على الاقتصاديات العالمية من تلقي الضربة المزدوجة للوباء وانهيار أسعار النفط الى مستويات متدنية لم يشهد لها مثيلا في التاريخ القريب، على اثر التجاذب الشرس بين اطراف الإنتاج العالمي على مسألة خفض الإنتاج على الرغم من اشباع السوق واختناق المستودعات الاستراتيجية للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. هذا التوازي في الجائحتين يبدو لا مناص من ترابطهما وتأثيرهما المتبادل على مجمل الفعاليات الاقتصاديات العالمية، وبروز تحديات تنذر بانهيارات شاملة قد تعيد بناء النظام العالمي بأسره.
في الأحوال والاحتمالات السابقة تبقى الأبواب مشرعة في التفسير والادانة او اللوم، لكن مستويات التحدي وانعكاس الأثر الصحي والبيئي والاقتصادي على الدول والافراد وحتى على شكل العلاقات الاجتماعية بات امراً حتمياً كما يبدو. الأنظمة الحكومية منشغلة بتغطية عجزها عبر البحث عن دليل ادانة تسعى من بعده الى طلب التعويض وتصفية الخصوم على غرار أي استثمار في حدث كوني صادم يحتاج الى تصديره وجني ثماره بدل احصائه وحصره، والمنظمات الصحية تنأى بنفسها عن الميل نحو أي تفسير متعجّل سوف يجري تسييسه لصالح اجندة طرف على حساب طرف آخر، والأفراد في انحاء العالم منشغلون بعزلتهم وتضحياتهم بأنفسهم وباحبائهم وازماتهم المادية المقبلة المضنية، عسى ان يصل اليهم تفسير لما حدث من نضوب بالروح والمال، على اعتبارهم الفئة الأكثر تقدماً في كل الحروب والجائحات، والأكثر تأخراً في فهم ما جرى عليهم بعد العاصفة