دعاء لعبور الأزمة

آراء 2020/04/27
...

د. سعد العبيدي
 
العراق وحتى الفترة التي عشناها وأدركنا بعض أبعاد عيشها منذ العام 1958 والى هذا اليوم، مر بأزمات متعددة وفي ظروف سياسية مختلفة، وإدارات بعقائد وأفكار متباينة، والحق يقال إننا وكلما توغلنا في النظم الثورية التي أعقبت ثورة تموز في العام المذكور، دخلنا بأزمات أكثر حدة، لكن الأزمات الأكثر حدة وتعقيداً هي التي حصلت إبان حكم حزب البعث للعراق من عام 1968 الى العام 2003، والحزب كما هو معروف كان أكثر تطرفاً وامتهاناً للثورية الغائية في إدارة المجتمع والدولة، الأمر الذي يدلل وعلى وفق رؤى المؤامرة وبافتراض وجودها أن العراق مجتمع يراد له أن يبقى في أزمات متتالية حتى وضعه البعض من المؤمنين بهذه النظريات ضمن هلال أزمات هو في وسطها، عامل تحريك وضبط في غالب الأوقات، ومع هذا وإذا ما تركنا تلك الآراء وتجاوزنا مسألة المؤامرة التي يصعب تجاوزها في أحيان كثيرة، فعلينا أن نضع بديلاً للتفسير هو أن، وبالتالي فشلوا في التعامل مع جل أزماتها ولم يتحسبوا للمستقبل الذي لا يخلو بطبيعة الحال من أزمات.
فالنفط وعبر تاريخه الطويل منذ اكتشافه والى اليوم على سبيل المثال هو في أزمات تصدير وتسعير حتى صار سلعة دولية تتحكم به قوى العرض والطلب وأمور أخرى تسعى الى تكوين أزمات لأغراض سياسية، ورغم هذا الوضوح فإنّ العراق في زمن البعث كان أول من يتأثر بالأزمة حتى قال صدام آنذاك قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق متهما الكويت ودول الخليج بافتعال أزمة أسعار نوّه فيها أن العراق يخسر مليار دولار في كل دولار تهبطه من السعر العام، ومع هذا لم يتحسب العراق، وأبقى نفطه وكأنه سلعة تباع في دكاكين، إذ لم ينشئ معامل تكرير للاستثمار، ولم يستغل الغاز المصاحب للمعاونة ولم يدخر الفائض عندما ترتفع الأسعار، ولم يضبط نظامه الضريبي للمعاونة وقت الأزمات ولم يمسك حدوده للسيطرة على الجمارك أحد المداخيل الإضافية للتخفيف من الأزمة، ولم يطور نظام الزراعة ليكتفي ذاتياً ويتحمل ضغوط الأزمة.
بقيَّ هكذا يتنقل من أزمة الى أزمة، تحاول الأنظمة والحكومات التي تحدث في وقتها الأزمة أن تتعامل معها بحلول ترقيعية، تعبر بها الى الضفة الأخرى بخسائر يمكن تحملها آنياً دون التفكير بأثرها على المستقبل. وهكذا نفعل الآن في أزمة هبوط الأسعار الحالية للنفط، إذ بدأت تظهر حلول ترقيعية، وهي وان كانت لازمة للعبور، وان استطاعت أن تعين في عملية عبور ناجحة، فإنّها ستترك للمستقبل آثاراً يصعب تحملها. وهكذا يصح القول، بتنا من أزمة الى أزمة، والى أن تنتهي الأزمة لا نملك سوى الدعاء أن يعيننا الله على عبور
الأزمة.