وباء كورونا يشكل محنة للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة

اسرة ومجتمع 2020/04/27
...

فيث هيل
ترجمة: مي اسماعيل
يعتمد بعض الطلبة على المدارس ليتلقوا عناية شخصية خاصة من المتخصصين بالتدريس، فما الذي يفعله هؤلاء الطلبة الآن في ظل جائحة كورونا؟ أجبر تفشي وباء كورونا آلافاً من الطلبة حول العالم على متابعة دروسهم منزلياً أو عن بُعد؛ وهنا يستنير الناس بنصائح خبراء التعليم المتميزين لتشخيص احتياجات الدراسة بتنوعها.
 
اعتادت لورين خان على قضاء جل يومها جالسة على الأرض بمركز "كوينز" للتطوير، فهي تقوم بتعليم أطفال تتراوح أعمارهم بين 3 - 4 سنوات، مصابين باعاقات ذهنية واضطراب "طيف التوحد" ولا يملكون قدرة التواصل اللفظي، ويعاني العديد منهم أيضاً خللاً بصرياً. يجري تدريس اولئك التلاميذ بصورة شخصية مباشرة؛ من خلال الغناء واللعب والتواصل بلغة الجسم.. أو على الاقل هكذا كان الحال قبل
الجائحة.
 وبما ان تعليم تلاميذها عن بعد امر مستحيل؛ لجأت لورين الى محاولة تعليم آبائهم وامهاتهم  ليقوموا بتعليمهم، فهي تتصل بالأسر خلال ايام الاثنين والاربعاء والجمعة (بواسطة تطبيق "فيس تايم" للتواصل الاجتماعي) ليتسنى للأهل حضور الدرس
مع اطفالهم. 
وفي أيام الثلاثاء ترسل بالبريد الالكتروني نشرة تتضمن تمارين تشمل الاسبوع بكامله. دار موضوع شهر نيسان حول النباتات؛ إذ طلبت لورين من الاهل (خلال الاسبوع الاول) مساعدة اطفالهم لتصنيف الخضراوات حسب اللون.. وهكذا.
لكن الأهل ليسوا معلمين؛ فلهم وظائفهم الخاصة التي يشعرون بالقلق حيالها، أو (وهو الأسوأ) أنهم عاطلون عن العمل، كما أن لديهم أطفالاً آخرين ليرعوهم. لا يتلقى الأهل اتصال لورين في أغلب الاحيان، لتبقى تتساءل عن أحوال تلاميذها.
وأحياناً تقول أنها ستتصل ثانية؛ ليكون الرد انه ليس عليها تجشم العناء! تتقبل لورين حقيقة ان الوضع صعب بالنسبة للجميع؛ خاصة الاسر ذات الدخل المنخفض الذين ترعى أطفالهم عادة. وهي تغني للأطفال عبر الانترنت، وتحاول فهم ردود افعالهم؛ ولكن من الصعب فعلاً التيقن أنهم حتى يستوعبون وجودها.. واذا حصلت على ابتسامة ستكون مكافأتها
للمضي قدماً.
 
منصات تواصل جديدة
كانت جائحة كورونا أمراً مؤذياً بالنسبة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة وحضورهم الى قاعات الدراسة (وعددهم نحو سبعة ملايين في الولايات المتحدة، وتتراوح أعمارهم من 3 - 21 سنة)؛ ففي المدرسة كانوا يحصلون على اهتمام شخصي مباشر لكل منهم، من معلمين ومدرسين متخصصين ذوي تدريب عالٍ ومعرفة عميقة بطرق تفكير أولئك التلاميذ ومدى
 استيعابهم.
ولا يمكن لأي كمية من الحب والعناية المنزلية أن تحول الأبوين الاعتياديين الى معلمي الرعاية الخاصة خلال اسبوعين. ولا يمكنها أن تجعلهم يقدمون خدمات المخاطبة الفيزيائية أو مهارات تعليم الكلام التي تقدمها مدارس الرعاية المختلفة؛ مع ان الكثير من تلك الخدمات ليست مشمولة بنظام التأمين، لذا قد تكون خارج متناول البعض. تقول "اليزابيث باركر" باحثة وسائل التواصل بمؤسسة نورثويست التقييمية: "يحظى العديد من التلاميذ برعاية شخصية تخصصية في غرف الدراسة، اضافة لمعلمي التدريس العام
المساندين.
والآن تعين علينا الطلب من الأهل القيام بهذه
الادوار".
لا يستفيد العديد من التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من الادوات التي يستخدمها التلاميذ والطلبة الآخرون للتعلم عن بُعد خلال جائحة كورونا (ومنها منصات رقمية مثل- "زووم- Zoom" أو "مايكروسوفت تيمس- Microsoft Teams" وغيرها)؛ إذ تحتاج الفئة الاولى غالباً الى تقنيات مساعدة. إذ يحتاج التلاميذ ذوو الاعاقة البصرية لاستخدام برامج صوتية لقراءة ما تعرضه الشاشة بصوت عال، أو الاستعانة بكتب مطبوعة بلغة "بريل" (الخاصة بفاقدي البصر.
المترجمة).
لكن العديد من منصات التعليم الرقمية لا تتناسب مع التقنيات المساعدة، وحتى ان كانت كذلك فانها تواجه مشكلات متكررة. منها- صعوبة متابعة المناقشات بدقة (بصرياً) حينما يكون عدد المشاركين فيها كبيراً. وهنا تكمن المشكلة؛ إذ ان المدرسة تكون غالباً المكان الوحيد الذي يتواصل فيه التلاميذ مع أشخاص آخرين يعانون الصمم أيضاً؛ خاصة اذا كانت اسرهم لا تستطيع التعامل بلغة الاشارة.
 
{نادي التعلم الاجتماعي}
رغم كل الصعوبات، يعمل الاهل والمعلمون بطرق استثنائية ليوفروا لتلاميذهم ذوي الاحتياجات الخاصة ما فقدوه بغياب المدارس؛ موظفين وسائل غير مألوفة وساعات عمل طويلة للمضي قدماً بالدراسة. تقوم "تريسي موري" بتدريس تلاميذ الروضة عبر منصة برنامج "ASD Nest" بمدينة نيويورك، وهو برنامج يسعى لدمج التلاميذ المصابين بالتوحد مع تلاميذ التعليم الاعتيادي في فصل دراسي واحد. تمكنت تريسي من ايصال جميع نشاطاتها الدراسية تقريباً الى تلاميذها عبر منصة "زووم- Zoom"، أثناء دروس اطلقت عليها تسمية "النادي الاجتماعي"، يجرب خلالها التلاميذ من مرضى التوحد الحديث مع بعضهم البعض ومع
معلميهم.
ابتهج المعلمون حينما اكتشفوا أن اولئك التلاميذ الذين يجدون عادة صعوبة بمخاطبة الآخرين وجهاً لوجه، احسوا بسهولة التواصل عبر شاشة الحاسوب. تقول تريسي (وهي معلمة اساليب النطق والمخاطبة): "وجدت أعينهم متجهةً نحونا مباشرة، ولم يكن الامر مؤلماً بالنسبة لهم. انه شيء
 جميل". عبّر كثير من المعلمين والمعلمات عن سعادتهم بتقديم الدروس عبر الانترنت خلال فترة حظر التنقل؛ ومنهم- "لوريتا نوريس" التي تقوم بالتدريس في مدرسة "مونارك" بمدينة هيوستين الاميركية (ولاية تكساس). تضم المدرسة تلاميذ يعانون اضطرابات عصبية وصعوبات في التعلُّم. تقول لوريتا أنها شعرت بلحظات عززت ارتباطها مع تلاميذها، وكذلك عندما بدأ أحد التلاميذ (الذي يعاني صعوبة في الكلام لذا يلجأ للغناء والرقص) بالغناء وشاركه باقي التلاميذ عبر شاشاتهم.
ومضت قائلة: "أشعر أحياناً أن التلاميذ ازدادوا تلاحماً عما كانوا عليه في قاعة الدرس، وانهم يقدمون أكثر مما كانوا يفعلون يومياً؛ إذ انهم يجربون اسلوباً جديداً ومسلياً". كما أنها باتت تتلقى رسائل شكر من الاهل، تؤكد تفاعل الاطفال وانهماكهم مع الاسلوب الجديد، وفرحتهم حينما يعرضون (أحياناً) على زملائهم غرفهم المنزلية أو حيواناتهم الاليفة عبر منصة
التواصل.
 
  تفاؤل رغم الصعوبات
رغم ان طبيعة الاضطرابات العصبية وبطء التعلم يجعلان من الصعب على الاطفال المصابين تقبُّل التغيير والتخلي عن الانماط المألوفة بالنسبة لهم، ويفقدانهم المرونة المطلوبة لمواجهة الضغوط؛ لكن تجربة التعلم عن بُعد (بسبب التباعد الاجتماعي) 
قد تكون فرصة جيدة بصورة استثنائية بالنسبة لهم. لكن أحداً لا يعرف ماهية التأثير طويل الامد الذي سيواجهه اولئك التلاميذ؛ إذ يتوقع بعض المعلمين والباحثين ان التلاميذ سيعودون الى قاعات الدرس وقد تراجعت قدراتهم الدراسية. مستشهدين بما يحدث بعد عودة الطلبة بعد انقضاء العطلة الصيفية؛ وهو شأن يتركز خاصة لدى تلاميذ التعليم الخاص. مع ذلك يتبادل الاهل والمعلمون رسائل التشجيع والتقدير، معربين عن عزم مشترك لمواصلة الاستفادة من فترة حظر التنقل أثناء الوباء لتعزيز التواصل مع تلاميذهم
الصغار.
 
- موقع "ذا أتلانتك"