محمد سهيل احمد
اعتدت في صغري أن اصطحب الحاج فاضل، عم والدي الذي عشت سنواتي التسع الاول في كنفه ـ وكان ضريراًـ إلى محل الألبان الذي كان مملوكاً لابنه في قلب (العشار) ولأن جدي كان ثقيل الهيكل قياساً بالصبي الضئيل الذي يقتاده، فقد اعتدنا قطع طريق الساحل ذاك على مراحل، فقد كنا نجلس نحن الاثنان على دكّة النهر لبضع دقائق قبل أن نستأنف رحلة الإياب للبيت. لكنني كنت في بعض الاحيان أغافله وأهرب الى واجهة عرض الافلام على جسر الهنود، أتفرج على الفيلم المعروض على الواجهة إذ يقوم عازف الناي تومان بالترويج للفيلم اما بنايه الساحر او بعباراته الجريئة!.
مشيّة الصبي
المدجّج بدرهم!
في ظهيرة اليوم التالي تسللت مخترقاً شارع العزيزية الموازي لشارع (الوطن) ساعياً أقصى جهدي للقبض على ذلك الدرهم الراقد في أعمق أعماق جيب دشداشتي محاذراً أن يتدحرج أو يرنّ أو يضيع.
كانت رحلة الوصول إلى دار السينما أشبه بحلم وكانت مشيتي لا تخلو من التبختر والزهو.
وكلي أمل أن أقطع تذكرتي ليحتويني ظلام السينما فأستحم بدوش فضي منسكب من غرفة العرض!
ما علق في ذهن صبي لم يتعد الثانية عشرة من العمر، من فيلم مضى على وصوله لدور السينما العالمية عقود من الزمن، لم يكن سوى النهاية الدرامية لفيلم (مشية المسلح).
نعم لقد رسخت تلك المشاهد النهائية في ذاكرتي. ولعل السبب يرجع إلى اعتماد مخرج الفيلم فيل كارسونPhil Carlson) في اللقطة الختامية التي جاءت كبيرة جدا (close-up) للابن وهو يسقط صريعا بمسدس أبيه، ومن ثمّ يقترب من جسده المسجى واضعاً رأسه في حضنه في حين تنقذف على الأب والابن القتيل ثلاثة ظلال لفرسان يبدو أنهم كانوا من أهل تلك المدينة الوادعة التي صدمها عنف الشاب
وتمرّده.
تلك اللقطة بقيت حية في الذاكرة في الوقت الذي ضاع عنوان الفيلم الذي لا شك انه قد استبدل من قبل موزعي الأفلام لدينا من اجل جذب أكبر عدد من المشاهدين، مثلما انطمست جل تفاصيل ذلك الفيلم الدرامي.
ومن المعروف بالنسبة للسينما الأميركية أن مخرجيها يميلون لاستخدام لقطات (الكلوز- اب)، كما ان ذاكرتي الغضة وقتذاك قد تكدّست بصورة الأب (القاسي) الذي كان يرفض فكرة تسكعات ابنه ولو علم انه ذهب للسينما في تلك الظهيرة القفرة لأشبعه ضرباً وتقريعاً.!
الفيلم من بطولة الممثل الأميركي البارع فان هيلفن، وجسد تاب هنتر شخصية الابن المتمرّد، فيما أخرجه فيل كار.