فيروس العقل

آراء 2020/05/01
...

سعدي السبع
 
هو لم يقل خطورة عن فيروس كورونا او سواه ، يعيش مع البشر منذ امد بعيد ويصيب الفرد والمجتمع كلما توفرت البيئة المناسبة، كما انه غالباً ما يكون عاملاً مساعداً وفعالاً للاصابة بالامراض الفتاكة الاخرى  .
سريع العدوى والانتشار بين اوساط المجتمعات المتخلفة التي من السهولة ان تمرر عليها افكار وطقوس متوارثة بالية ما يجعلها قطيعاً جاهزاً للاستجابة بسهولة وبقناعة عمياء لكل من يلقن لها ويملي على عقولها ذلك باستغلال سذاجتها وتخلفها الحضاري الذي خلقته ظروف اجتماعية وطبقية وسياسية عدة، واذ يؤدي انتشار وباء ما الى الموت في كثير من الاحيان فان فيروسات العقل تسبب بشل تفكير حاملها وتؤدي ايضاً الى فقدان  سيرورة الحياة ومواكبة تطورها والتفاعل مع متغيراتها رغم صحة الجسد فثمة بشر لاهم لهم غير العيش بايقاع يومي رتيب وبسيط  والانهماك بمشاغل حياتية يومية ومظاهر ومسلمات دينية ودوغماتية راسخة  لا يمكن مراجعتها او الخوض في نقاشها ، ما يسهل انقياد تلك الشرائح  وتحديد سايكولوجيتها وافكارها  وتوجيه سلوكها الى مناطق بعيدة عن العقل والمنطق وهنا يلعب الاعلام الاحادي دوراً خطيراً في اذكاء حالات  التراجع والعزل والنكوص  .
وقد اثبت الكاتب والمفكر الاميركي ريتشارد بوردي بكتابه الذي اصدره قبل عقود  ( فيروس العقل ) ان الافكار المتخلفة تشبه الجراثيم والفيروسات المعدية التي تنتقل الى من عقل لاخر دون ان يراها او يلاحظها احد وتنشط في كل زمان ومكان ولا علاج غير سلاح الثقافة والمعرفة حتى وان كانت بحدودها الدنيا لمواجهة هذا الوباء الخطير الذي يضر بتقدم وتدفق حياة البشرية مثلما يحصل  عند الاصابة بالامراض المعدية الاخرى
واذ تعيش المعمورة حالياً محنة انتشار وباء كورونا بعد ان اجهز على دولها، صغيرها وكبيرها  من اولها الى ثالثها فان المواجهة العلمية والمعرفية بالامتثال للشروط الصحية الواجبة تجعلنا بمنأى عن ذلك الخطر الداهم لكي يظل الجسد  سليماً ومعافى من  كل الامراض ومكروبات وميكرومات تستهدفه كما العقل ايضاً, 
وقد وضع وباء كورونا العالم امام اختبار كبير بكيفية التعامل معه طبقا لعقول اعضاء ادارة غرف الازمات وجهد العلماء ونقاشاتهم و خلافاتهم المختبرية خصوصا لعدم توفر اللقاح والعلاج السريع في وقت لم تملك دول معينة غير الاكتفاء بمنع التجوال وحجر الناس في بيوتهم حتى وان استدعى ذلك فرضه بالقوة، اذ لم تتحمله بعض الشعوب فخرجت في احتجاجات وتظاهرات معتبرة  ذلك تقييداً للحريات !!
وما بين سلامة العقول والنجاة والخلاص من كورونا اللعينة يبقى الامل بان  تستمر الحياة وتعود الى طبيعتها السابقة.