بغداد واربيل.. الاتفاقيات المرحليَّة

آراء 2020/05/01
...

هفال زاخويي
 
منذ الاطاحة بالنظام السابق في العام 2003  وحتى الان، و (الكُرد) شريك للحكم في بغداد مع التيارات والقوى السياسية نفسها التي كانت في يوم ما تصطف جميعا مع القوى الكُردية في مواجهة النظام السابق، اضافة الى قوى اخرى مستجدة على الساحة العراقية بعد 2003.
ومع تشكيل اول حكومة عراقية في 28 حزيران 2004 التي حلت محل سلطة الائتلاف الوطني ومجلس الحكم، والكُرد شركاء اساسيون في ادارة الدولة العراقية الجديدة التي اتخذت من الاليات الديمقراطية اسلوبا لنظام الحكم، فضلا عن تمتع الكُرد باقليم دستوري وحكومة محلية، وكانت مساهمة الكُرد فاعلة ايضا في كتابة الدستور الذي خرج بصيغته الحالية في العام 2005، لكن للاسف فمنذ اكثر من عقد ونصف من نظام الحكم الديمقراطي الائتلافي في العراق لم تفلح القوى السياسية في الوصول الى حلٍ نهائي للمشكلات العالقة بين المركز(بغداد) وبين اقليم كُردستان، ولاسباب لم تعد تستدعي الكثير من الجهد للتعرف عليها، هذا في وقت اذا علمنا بان هذه المشكلات (قديمة- جديدة) وهي من تداعيات سياسات الانظمة الحاكمة التي حكمت العراق عبر تاريخه الحديث كدولة مدنية، وكذلك مواقف الحركة الكُردية التي كانت تتذبذب بين العمليات المسلحة حينا والتفاوض في احيان اخرى.ودون الوقوف عند المحطات التاريخية لهذا الموضوع فاننا الان كعراقيين امام مشكلات كبيرة ومعقدة ومتشعبة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين حكومة اقليم كُردستان، لكنها –حتما- ليست مشكلات عصية على الحل، فلا مشكلة ولا عقدة في عالم السياسة الا ولها مخرج، لكن ذلك الحل دوما يعتمد على توفر الارادة اللازمة لدى اطراف الخلاف للوصول الى نتائج ايجابية مرجوة بخاصة في حدود (بلد
واحد).
كما تمت الاشارة انفا فان اسباب عدم التوصل الى حلول جذرية لم تعد عصية على الفهم او على ان تُعرف، وهي اسباب واضحة، الا وهي ان كل المحطات التي تم فيها الوصول الى صيغ الحلول في ما يخص المشكلات بين (بغداد واربيل) كانت عبارة عن اتفاقيات مرحلية هشة،ولم تكن عبر اليات دستورية مستديمة، بل تم الوصول اليها بين القوى السياسية الشريكة في الحكم بسرعة قياسية، وبالمقدور هنا تسميتها باتفاقيات (الجنتلمان)، في وقت كانت كل القوى بما فيها الكُردية تدرك ان هذه الاتفاقيات قابلة وبسهولة للانهيار، كون هذه الاتفاقيات كانت تاتي تقريبا (قبل او مع او بعد) تشكيل كل حكومة جديدة..!
وقد لا يمكن طرح سبب وجيه اخر يؤدي دوما الى ان تبقى هذه المشكلات تاخذ طابع الاستدامة او قد تمضي الى الحل ببطء السلحفاة، وهذا السبب هو انعدام الثقة بين الاطراف السياسية بمختلف انتماءاتها وبخاصة بين القوى الكُردية والقوى الفاعلة في بغداد، وهنا – بحسب رؤية الكاتب- سيكون هناك مخرج لهذا النفق ومحصلة جيدة من الحلول لهذه المشكلات لو تم تبني الاليات الدستورية والقانونية من جهة ومن ثم محاولة بناء الثقة بين اقليم كُردستان والقوى الشريكة في الحكم في بغداد وتبني نهج (الهوية الوطنية العراقية) بعيدا عن الرؤية الهوياتية الضيقة، سواءً كانت عرقية او مذهبية او دينية او مناطقية، فكلما ابتعد العقل عن التفكير الضيق بنمطية (الحق المطلق) كلما كان العقل اقرب للحل والسلام والايمان بالعيش المشترك بدلا من التعقيد والخلافات والاحقاد والتباعد. 
وقد لا اكون مغاليا هنا او متجاوزا الحق الطبيعي في مطالبة اطراف الخلاف بكبح جماح الخطاب الاعلامي التصعيدي، وبخاصة من قبل بعض الوجوه التي تظهر في اجهزة الاعلام من نواب او متحدثين او محللين والذين لا يزيدون في الطين الا بلةً ولا يضيفون الى المشهد الا الكثير من
التعقيد.