دروس الأزمات الكبرى

آراء 2020/05/02
...

نصير فليح
 

كلما تمر البشرية والشعوب بأزمات كبيرة، يعود مجدداً التساؤل عن التقدم الاخلاقي للانسان. وهذا ما يحدث بصورة خاصة في حالات الأوبئة والكوارث والحروب التي يكون الانسان سببها، او شارك فيها، او استغلها لمصالح ضيقة. وهو ما يتجدد مرة اخرى في هذه الايام التي تعيش فيها البشرية تفشي وباء كورونا، فضلاً عن الحروب والنزاعات التي لما تزل مستمرة في أكثر من مكان من المعمورة.
إن الآراء والتعليقات، والاتهامات المتبادلة، والقاء المسؤوليات كل على الآخر، واستغلال الأزمة التي يمر بها البشر، كل ذلك يعبر عن صعوبة الاجابة بوجود تقدم اخلاقي ملموس لدى البشرية. فانسان العصر الحالي لا يختلف كما يبدو عن اي انسان قديم يتنازع على فريسة، سوى ان ذلك كان اكثر اخلاقية، بحكم حاجة ذلك الانسان الى الطعام. وايضاً ان الصورة اليوم اكثر تمويهاً، فهي تجري وراء المنصات البراقة والقاعات اللماعة والبذلات الانيقة والاحاديث المواربة بدل صرخات التوحش المباشرة.
ليس الانسان شراً كله ولا خيراً كله، هذا معروف ومفهوم، فالانسان هو الانسان بوجوهه المتعددة، لكن ما يميز عصرنا الحالي عن العصور السابقة، ان تدخلات الانسان المدفوعة بانانيته وصلت حداً باتت تهدد كوكبه وبيئته ووجوده اصلاً. هذا لا يتعلق فقط بحالة الأوبئة، بل ان التغيرات المناخية الناجمة عن زيادة الكربون في الجو لا تزال تعتبر الخطر الاكبر الذي يهدد البشرية، فضلا عن اسلحة الدمار الشامل، والتي استخدمت مرة بالفعل ضد اليابان قبل حوالي 65 عاماً، وكانت على وشك الاندلاع مرة ثانية في حرب بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة ايام الحرب الباردة إبّان الازمة الكوبية، لولا قرار اتخذه احد الضباط في اللحظة الاخيرة مقرراً ان ما يظهر على الشاشة امامه من هجوم نووي قد يكون ناجماً عن خطأ تقني.
ان ترابطية العالم التي حولته الى قرية صغيرة، كما يقال، جعلت من هذه الترابطية مصدر خطر اضافي. ذلك ان كل خلل في بعض المنظومات، او حتى اختراق الكتروني واحد كبير يقوم به فرد واحد، قد يؤدي الى تعطيل الحياة في بلدان ومناطق كاملة.
الحرائق التي سبقت كورونا والتي اندلعت بشكل غير مسبوق في استراليا مؤشر على تدهور غير مسبوق في مسألة الاحتباس الحراري، وقبلها كانت الحرائق والاعاصير غير المسبوقة ايضا التي ضربت الولايات المتحدة، والتي اثارت جدلا كبيرا ايضا، والتي رفضت الادارة الاميركية الحالية اعتبارها جزءاً من مسألة التغير المناخي، رغم الاصوات الكثيرة المحذرة من داخل الولايات المتحدة قبل ان تكون من خارجها.
في اوضاع كهذه، يأخذ السؤال الاخلاقي بعداً اكبر واهمية اعظم، ذلك ان هذه الترابطية الحالية للعالم، والتدخلات المستمرة للانسان في الطبيعة والتي باتت نتائجها تتفلت من يديه يوماً بعد يوم، تؤشر ان المسؤولية باتت اكبر بكثير، وأن خطأ بشريا واحدا، او قرارا انانيا واحدا، قد يؤدي الى عواقب
 كبرى.
في الازمات الانسانية الكبرى تظهر ايضا حالات من التضامن والتكافل الاجتماعي بالطبع، كما في حالة بعض الدول والجهات وحتى الافراد الذين بادروا وخاطروا من أجل حياة الاخرين، وما تقوم به على وجه الخصوص الملاكات الطبية والصحية على امتداد العالم، فضلا عن مساعدات بعض الدول بين بعضها البعض، او حتى بعض المجتمعات في ما بينها او داخل كل منها. ولكن علينا ان نلاحظ بتمعن ما جرى منذ تفشي وباء كورونا الى اليوم، ونوازن حالات التضامن بحالات الركض وراء المصالح الضيقة، ونخمن النسب بين هذه وتلك، ونتساءل مجددا، ما اذا كان الانسان بعد كل هذه الآلاف من السنين، قد حقق تقدماً اخلاقياً.