{كورونا} وكابوس الدكتاتور المقبور

آراء 2020/05/03
...

حسين الصدر
 
- 1 -
من العبارات الملفتة للنظر قولهم عن كبير الطغاة المقبور انه:
«كان عادلاً في ظُلْمِه» ..! «والعدل والظلم – كما هو معلوم – ضدان لا يجتمعان، فكيف يكون الظالم عادلاً؟ وكأنَّ المراد من قولهم ذاك: انّ ظلمَهُ شمل العراقيين كلهم من دون استثناء، فلم يسلم من ظلمه أحد: لا العرب ولا الكرد ولا التركمان ولا المسيحيون ولا الصابئة ولا الايزيدون ... ولا الشبك ..وهكذا اصطلى بنيران ظُلمِهِ أتباع المذاهب والديانات والقوميات كلها بلا استثناء ... كما انه اغتال صفوة العلماء والمفكرين ومراجع الدين ولم يسلم من سطوته وجبروته الأحرار والحرائر ... انه كان عاشقا لذاته ولا يرى أيةَ غضاضةٍ في إزاحة مَنْ يُعارضه أو يتململ  من حكمه. . ومن هنا استمرت عمليات التصفية الجسدية للأحرار والحرائر. انّ المقابر الجماعية ضمت أجسادَ الكثير من الأطفال والنساء ولم تقتصر على الرجال فقط والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:
ما هي جناية الاطفال التي استحقوا معها الدفن وهم أحياء؟ وما هي جريرة النساء اللواتي أقبرهن ظلم الطاغية؟ من منكم ينسى مجزرة «حلبجة» الدامية مثلا؟
إنّه التوحّش والغرور والتفرعن والغلظة المفرطة – والاصرار على إكراه الناس بالتسليم والاذعان (للقائد الضرورة) الذي اختزل العراق بنفسه، وركل بقديمه كل الموازين والمواضعات الحضارية والقانونية والاخلاقية والانسانية والسياسية.. ثمّ أنَّ ظُلمَه كان عابراً للحدود كما كان عابراً للمذاهب والأديان والقوميات، فقد شنَّ حربين ظالمتين كبّدت العراق والأشقاء والجيران أفدح ألوان الخسائر، هذا هو في ظلمه الشامل العام الممتد الى خارج الحدود. (وفيروس كورونا) لم يقتصر أيضاً على رقعةٍ جغرافيّة محددة، بل امتدّ من الصين شرقاً حتى وصل الى اميركا غربا، وانتشر في معظم الدول والبلدان.. وهو لم يفرق بين أتباع المذاهب والاديان والقوميات ولا بين الأغنياء والفقراء ولا بين كبار السن والشباب. وهكذا أصبح كارثة صحية تهدد العالم بأسره، وأنَّ أضراره لم تقتصر على الجانب الصحي بل امتدت الى الجانب الاقتصادي والى انحسار كبير في مجمل الاوضاع في القِطاعيْن الصناعي والتجاري ... بل وحتى الزراعي.. ثم انعكست آثار ذلك على شرائح اجتماعية كبيرة اضطرت الى ملازمة بيوتها وترك أعمالها ووقعت جراء ذلك في اختناق ماليّ شديد وأوضاع صعبة للغاية. 
- 2 -
وجاء فيروس كورونا ليضع البشرية – أفراداً ومجتمعات ودولاً – أمام حقيقة تقول: إنّ الانسان مهما بلغ من التقدم التكنولوجي فلا ينبغي له أن يعانق الغرور، ولا يقطع صلّته بمن في يده أمر السموات والأرض وهو القادر الذي لا يعجزه شيء على الاطلاق..
وهكذا تنفضُ الأزماتُ الذي تعتري المجتمعات بين الحين والحين غبارَ الغفلة والشعور بالقوة المطلقة لتعيدهم الى رحاب التطلع الى السماء والى استمداد العون واللطف لمواجهة التحديات والأعباء.