تشرفت مع عدد من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين العرب، بالتوقيع على بيان شعبي للمطالبة برفع الحصار والعقوبات الاقتصادية عن الجمهورية العربية السورية الشقيقة، وذلك من منطلق القناعة أن الحصارات التي تعمدت فرضها الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، لأهداف سياسية، لم تؤذ الحكومات أو تسقطها، ولكنها دمرت حياة الملايين من الشعوب في مجتمعات تعاني من ويلات الحروب والأزمات
والفقر!
البيان يشير إلى أهمية التعاون بين الدول لمواجهة مخاطر هذه جائحة كورونا التي عجزت دول عظمى بإمكاناتها الهائلة من مواجهتها بشكل منفرد، ولا شك أن دول أخرى ضمن الظروف التي وضعت فيها مضطرة، أحوج ما تكون للتعاون الدولي معها لدرء مخاطر هذا الوباء، لا سيما تلك التي تعرضت الى الحصار، مثل سوريا وغيرها من الدول الخاضعة لما يسمى بالعقوبات الدولية
، وأنّ الواجب الأخلاقي والإنساني يفرض على كل من يمتلك ضميراً حياً الدعوة إلى إنقاذ الشعوب من عقوبات ظالمة تستهدف في ظاهرها الأنظمة الحاكمة لكن تأثيرها لا يطال سوى الشعوب
المقهورة!
وتمرير القرارات عبر مجلس الأمن الدولي، تحت ذرائع معاقبة دول وصفت بالمارقة على (الشرعية الدولية) التي تضع حدودها واشنطن، ويدفع ثمنها الأبرياء عادة!
هناك تجارب قاسية من الحصارات المفروضة على الشعوب تدحض مزاعم العدالة وتطبيق الأخلاقيات في التشريعات والقرارات الدولية، من أهمها وثيقة حقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الأخرى، فالحصار يُفرض على دولة معينة بعد تصويت يجري في مجلس الأمن الدولي، الذي تديره، في الأغلب، معادلات القوة والمصلحة والنفوذ بين الدول الخمس دائمة العضوية
، وتخضع قراراته لمساومات وضغوطات خفية ومعلنة، تؤدي في النتيجة إلى معاقبة الشعب بجريرة السياسات التي ينتهجها الحكام، كما حصل في دول مثل كوبا وكوريا والعراق وليبيا والسودان وإيران
وسوريا!
تجربة العراق المريرة، في عهد النظام السابق، تعد من بين تلك الحصارات الأكثر قسوة، التي تصلح أن تكون مثالاً على غياب الأخلاقيات في هذه الإجراءات التي تبدو ذات صبغة شرعية دولية، لكنها تعد جريمة وحشية، وفق المعايير الإنسانية السليمة، فقد كان المجتمع الدولي يتفرج، طوال ثلاثة عشر عاما
ً، وما قبلها، على حاكم ظالم لم يتورع عن ارتكاب أقسى الجرائم ضد شعبه فضلاً عن حروبه الكارثية ضد دول الجوار
، ويواصل وسط عائلته وبطانته حياة الرفاهية والبذخ والعيش الرغيد وبناء القصور وركوب العربات المذهبة في حين يموت مئات الآلاف من الأطفال العراقيين نتيجة نقص الغذاء والدواء
، وعندما سأل أحد الصحفيين وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، في منتصف التسعينيات، قائلاً: هل أن معاقبة نظام صدام تستحق أن يموت نصف مليون طفل عراقي بسبب المجاعة، فأجابت بكل قسوة :نعم ذلك ثمن يجب أن يدفعه
العراقيون!
في الحقيقة دفع العراقيون، مثل كثير من الشعوب المقهورة ثمناً فادحاً، ليس في عدد ضحايا الحروب والمجاعات فحسب، بل في تدمير بنية المجتمع وتأخير فرص التنمية وزيادة الفقر والمرض والجهل.
هناك قاسم مشترك يكاد يجمع بين تلك الشعوب التي تعرضت للحصارات الدولية وهو مناهضة الهيمنة الأميركية، ومحاولة البحث عن مكانة على خارطة المعمورة خارج الوصاية الغربية، لكن تلك الدول لم تكن مؤهلة في الواقع لخوض غمار الصراع الدولي لأنها تعاني داخلياً من هشاشة النظام السياسي وغياب العدالة وعدم الاستقرار وسوء الإدارة وانتشار الفساد
، ومن ثم تكون تلك الذرائع جاهزة لمعاقبتها
، وبخاصة عندما يرتكب الحاكم حماقة تستفز مشاعر العالم أو تهدد مصالح الدول المهيمنة، لكن تجربة الحصارات لم تكن في ثمارها المرة سوى بيئة صالحة لتكريس الدكتاتورية وزيادة الظلم والجوع والموت، في عالم غابت فيه لغة حوار الحضارات وطبقت سياسة الحصارات .