دونكيشوت: أنا ممتلئ بالتشاؤم بهذا النهار ، بعد أن رأيت في منام البارحة رمحي مكسوراً . سانشو: إنه مجرد حلم يا سيدي الدون. فلا تكترث ما دام الرمح بيدك براقاً ولا يرتجف من الخوف.
دونكيشوت: أدرك ذلك .ولكنني حزين بسبب قِدم العلبة التي بدأت بالتخريف تحت جمجمتي يا سانشو .
سانشو: وما نوع العلبة التي برأسك يا سيدي الدون. أهي علبة شوكولاتة أم علبة دخان أم لبن ؟!!
دونكيشوت: اللعنة على فهمك .أنا قصدت (( المخيّلة)) أيها الأحمق ليس إلا . سانشو: وأنا لم أفهم قصدك تماماً .فلم أقرأ في كتب المدرسة عن تلك العلبة شيئاً .لذا فاستميحك عذراً من الجهل والجهالة التي ابلعت مخي. دونكيشوت: المخيّلة التي أتحدث عنها يا سانشو ،تشبه الصندوق الأسود الخاص بالطائرات.
سانشو: وهل يوجد برأسي أنا علبة مخيّلة أو ما يُسمى بالصندوق الأسود يا سيدي الدون ؟ دونكيشوت: أجل . سانشو: ولكنني لست بطائرة جامبو أو ايرباص أو كونكورد يا سيدي الدون. فمن وضع ذلك الصندوق برأسي ؟!! دونكيشوت: هل تريد الحق يا سانشو ،وتعرف من يصنع تلك العلب ومن يملأ تلك الصناديق بالبضائع؟
سانشو:أجل يا سيدي. أريد أن أعرف ولو لمرة واحدة، لعلي في ذلك أتمكن من جهالتي وانتصر للمعرفة.
دونكيشوت: تلك العلبُ من صنع المعارف وحدها. فبها تتسعُ وتبنى، وبعدمها تنكمشُ وتموت. سانشو: وكيف يعيش العمالُ البناةُ في تلك العلب المقفلة؟ دونكيشوت: الأفكار والصور والتصاوير هي الطبقة العاملة التي تمارس أشغال البناء في المخيّلة . هل أدركت ذلك ؟
سانشو: لا تزال الصورة غير واضحة . سامحني على سماكة عقلٍ لوثتهُ حروب الظلاميين وقبائل التصحر وطواحين الهباء، فلم تبق منه إلا حفرة تملؤها الذكريات الميتة مع الفئران التي تقرأ سجلات آلامي بعدما قرضت كلّ ما كان جميلاً في
حياتي.
دونكيشوت: لا تشكو لي يا سانشو، فبرأسي ألغامُ لا تعد ولا تحصى. وتحت قحفي ملاحمٌ من الأحزان والأذى المُدمر للمخيّلة .سانشو: أعرف ان رأسك أرشيف ضخمٌ يا سيدي الدون. والحروب التي وضعت بيوضها تحت جمجمتك الفاخرة ،لن تنتهي من الفقّس والتفقّيس بسهولة. دونكيشوت: وهل تراني جديراً بأن أكون مَفقسة بيض يا سانشو؟ سانشو: أجل يا سيدي الدون. أنت مَفقسة بيض وألغام وسمك وتصاوير
ومؤلفات . دونكيشوت: أجدكَ اليومَ متحمساً وشديدَ اللهفة . فما وراء ذلك بالضبط يا سانشو؟ سانشو: لقد بلغت أنفي رائحة البيض المقلي بالسمنة العربي ليس إلا يا سيدي الدون. دونكيشوت: يبدو أن مخيّلتكَ بدأت تشتغلُ يا سانشو ! سانشو: أجل يا سيدي
الدون.
كلّ هذا بفضل بيوضكَ التي بدأت بالتكاثر تحت قحف رأسي، ففتحت شهيتي على مختلف صور البيض، المسلوق منه أو المقلي أو المشوي أو المخفوق بالطماطم أو البطاطس أو البيض العيون وهي تقلى كما الشموس وسط زلال الغيوم. دونكيشوت:عليك اللعنة .أكاد أفقد توازني جوعاً من كثرة أصناف الأطعمة التي تساقطت من لسانك تساقط السهام في قلب كيوبيد . سانشو :انه الجوع يا سيدي الدون. ألا تعرف ما معنى أن يكون المرء فاقةً ؟ دونكيشوت: أأنتَ جائعٌ
بسبب الصوم ؟
سانشو: كلا. أنا جائع بسبب الزمن . دونكيشوت:وما علاقة ذلك بمعدتك يا سانشو ؟!! سانشو: رمضان عند البعض شهرٌ دسمُ الموائد ومثقلٌ بالإيمان التلفزيوني صوراً وأدعيةً بينما سنتي أنا يا سيدي الدون اثنا عشر رمضاناً من القحط .