استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي
منذ ابتدأ ت عاصفة كورونا بنهب الأرواح وتحطيم أشجار طمأنينتها العالية، بدأت آثار تلك العاصفة تظهر على العمل الثقافي في كل مكان فقد حطمت رياحُها الهائجةُ أسوارَ المهرجانات الكبيرة والأمسيات الشعرية والفنية. وابتدأت المؤسسات الثقافية تبتكر بعضاً من الوسائل لمواجهة ركودها وصمتها وانغلاقها على نفسها، ومنها ما أسسه اتحاد أدباء العراق من وسيلة أسماها (الأمسيات التفاعلية) إذ يتم الاتفاق مع مبدع ليقدم منجزه عبر بث مباشر على الانترنيت من بيته ويضيّفُ الاتحاد ذلك البث عبر مواقعه في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أحدثت تلك الأمسيات جانباً من ردود الأفعال رصدنا بعضها هنا، ثم حصلنا على جانبٍ آخر من الردود عبر تساؤلات وجهناها لنخبة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع.
عودة الی الادب الشفاهي
الشاعر عبد المنعم القريشي نشر على صفحته في الفيس بوك رأيا أشار فيه الى عودة الادب الشفاهي من خلال تلك الأمسيات بقوله: ما ان أطل كورونا من شرفة ظلمته، إلا وطغی في الساحة "الادب الشفاهي" بقوة، لا عهد للادب العراقي بها، وكأنما لم يكن العراق قد بدأ حركة التجديد في الشعر العربي، وكانت له الريادة، ومنه انطلقت حركة التجديد وما زالت. وقال ايضا: كورونا الذي اجبرنا علی المكوث في بيوتنا، فرض علينا العودة الی عصر البداوة وركلنا بقدميه الی الصحراء، وعصر فحولة الادب المكبل بالقيود والسلاسل. ولكن هذه المرة باستخدام التكنلوجيا الحديثة، فها هم الشعراء يطلون علينا من اتحاد الادباء، باصواتهم الرخيمة، وهم يبثون لنا -- نحن المساكين، محبي الادب -- بثا مباشرا مع تعليقات للمشاهدين -- المستمعين. اقل ما يقال عنها انها لا تمت للادب بصلة، من مثل(حياك ايها الشاعر) و(سمعت نصوص عن الاشتياق والامل هل الكفة الآن تميل الی الشعر الحر أم العمودي؟؟) و(دام تألقكم البهي) وما شابه هذه الاسئلة التي لا تخلو حتی من الاخطاء النحوية. ولم يقتصر البث علی الشعر، بل تعداه الی تحويل القصة القصيرة الی فن(شفاهي)كما اعلن عن امسية، قرأت الاعلان عنها اليوم. وبفضل هذه التجربة الفريدة سيتحول القاص الی(قصخون)معاصر. يقص علينا سيرة ابي زيد الهلالي وعنترة العبسي وسيرة الظاهر بيبرس البنقداري. ثم وجه نداء للقائمين على الاتحاد بقوله: أيها الأدباء المحترمون. ايها القائمون علی ادارة الاتحاد المحترمون. نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، وبعد ان تقدمنا خطوتين، اعادنا كورونا الی الوراء خطوات، فرفقا بنا نحن الذين نتطلع الی كل ماهو جديد في الادب العراقي.
تغيير مرهون بأنساق متعددة
الشاعر الدكتور عمار المسعودي امين الشؤون الثقافية في اتحاد ادباء العراق أجاب على نداء القريشي عبر صفحته ذاتها بقوله: أستاذنا الحبيب هي تواصل ثقافي أما الشعر فلا تحدده وسيلة التواصل المهم أن نقرأ أو نكتب في رد نوعي على الكساد والتجهيل ربما يا حبيبنا أنا معك في محاولات عودة الفحولة كنتيجة مباشرة لعودة الانساق الذكورية التي تتحكم في مجريات تحريك الأنساق. لكننا بالأقل نحاول تقديم ماعلينا بعدِّنا مؤسسة تراعي ما يكتب أدباؤها أما التغيير الذي تنشد حبيبنا فهو مرهون بتغيير أنساق سياسية واجتماعية وثقافية وهذا ما قد تحبل به السنون.
أفق لا يخلو من فائدة
الروائي أحمد الجنديل أجاب على تساؤلاتنا مشيرا إلى أن الأمسيات التفاعلية التي يقيمها الاتحاد العام للادباء هي واحد من وجوه نشاط ينبغي القيام به، وهي بالتأكيد أمسيات ذات أفق ضيّق ومحدود الا أنها لا تخلو من فائدة. ولفت الجنديل بإجابته إلى أن مواجهة الركود بسبب وباء كورونا تحتاج الى فعاليات عديدة تشمل المسابقات عن بعد، وعرض السيرة الابداعية لبعض الادباء الكبار،وفتح النوافذ للحديث عن ظاهرة ثقافية وهناك كثير من الفعاليات التي تستطيع جعل الادباء يتحركون ويتواصلون وهم داخل بيوتهم على أن تكون جميع العروض خفيفة ومشوقة. وأضاف قائلا: ان الحالة النفسية التي يعاني منها الادباء وغيرهم وهم داخل البيت تقف حائلا أمام تحقيق هدف بعض الفعاليات اضافة الى أن الجميع يبحث عن كل حديث يجلب له الابتسامة ويفضلها على نشاط يجلب الصداع لرأسه المصدوع . نحتاج الى فعاليات من صنوف الشكولاته الخفيفة واللذيذة، فعاليات ادبية فيها المستملح الجميل الذي يقدم على أطباق مختلفة ومتنوعة، وأظن أن اتحادنا قادر على تحقيق ذلك.
فيسبوك مؤسساتي
الشاعر عادل الصويري تحدث بإجابته عن اسئلة (الصباح) مبينا أنه يطلق على هذا النوع من الأنشطة التواصلية، تسمية (الفيسبوك المؤسساتي)، غير أن المختلف في الموضوع هو أن النشاط يدار برعاية مؤسسة معينة، رغم أن كل عناصر النشاط من ضيف ونشر ومتابعين هي الكترونية بحتة. ويعتقد الصويري بأن تجارب مشابهة سبقت هذا التوجه، ونجحت في كسر الأفق الانعزالي، هي التي جعلت المؤسسات المختلفة - ومنها اتحاد الأدباء - تسعى إلى تجربة التناص الالكتروني، بعد أن لاحظت نجاح تجربة (تحدي الشعراء). إذ قرأ الشعراء قصائدهم من منازلهم بوضعيات وأزياء مختلفة، منحت المتلقي فرصة التعرف على بعض خصوصيات المبدع بعيداً عن النظرة السياقية له. وأضاف بقوله: بينما عادت تلك النظرة مجدداً، في تجربة الاتحاد إذ نشاهد المبدع وهو في كامل أناقته، رغم أنه يسجل من صالة منزله. وكان أجمل برأيي لو أن التجربة كانت أكثر بساطةً، وبعيدةً عن التكلف الذي سيعود لاحقاً بعد عودة الجميع إلى القاعات. أما بخصوص سؤالك إن كانت بديلاً ثقافياً، أو انها استسهال لفعل ثقافي، فأقول إن الحالتين يمكن تصورهما، فقد شاهدنا أنشطة قليلة مهمة، وبذات الوقت، شاهدنا العكس والعشوائية، وهذا يدلل على أن المؤسسة تريد أن تقول (أنا موجودة) بأية طريقة، فمثلما يتيح الفيسبوك الجيد والرديء، أتاحتهما هذه الأنشطة برعاية مؤسساتية. وفي كل الأحوال؛ تبقى التجربة مؤقتة، وستزول بزوال مسببها. في بعض الأنشطة التي تابعتها لأهمية الضيف؛ تأسفت كثيراً؛ لضعف النت الذي أفسد متعة الانصات، وتذكرت تذمري من قراءة الكتب بصيغة pdf،إذ أي ضغطة غير محسوبة، تنقلك من الصفحة العاشرة مثلا إلى صفحة 70 ! الأهم برأيي بعد أن نعود إلى القاعات، أن نتذكر أننا عاديون جداً ويمكن لفيروس صغير أن يذكِّرنا بحقيقتنا التي طالما تعالينا عليها.