كورونا اختبار

ثقافة 2020/05/04
...

 عبدالكريم يحيى الزيباري
 
سؤال مزلزل للفكر السياسي ومبادئه، كما فعلت الثورة الأمريكية (1775- 1783) والفرنسية (1789- 1799)، وجرتا البلاد إلى حافة هاوية، وتهديدات دوليَّة خارجية، وفوضى داخلية، لكنَّ الثورتين نجحتا في إعادة ترسيخ التوفيق بغير قَمع ولا إرهاب بين المَصالح المتعارضة، والشرعية والعدالة والحرية وسيادة القانون والفصل بين السلطات، ودرجة ملاءمتها للبيئة الاجتماعية، والتكتلات السياسية الطارئة التي مَسَخَت الحياة المدنيَّة في المدن.
وسؤال لكلِّ هو صلب وقوي: هل استوعبتَ حقيقة أنَّ من السهولة أنْ تتبدَّد وتتحول إلى أثير؟ هل ستتذكر حين يختفي كورونا كيف نجوت؟ وماذا دفعتَ ثمنَاً للنجاة؟ وبعدما نجوت كيف سوف تستعيد قوتك؟ والتجلُّد خير من التبلُّد!
للإنسان هل سيتعلم في بضعة أسابيع ما يتعلمه في سنين؟ هل سيتعلم القناعة ويرضى بالقليل؟ يتعلم بألا يكرهَ أخاه الإنسان، يتعايش معه، مهما كان مختلفاً، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).
للدولة هل ستعرف أنَّ قيمتها في قيمة مؤسساتها؟ هل ستحترم حقوق الدول الأخرى في حياةٍ كريمة؟ هل ستتعلم حقَّ احترام الجار لا استغلاله ولا عِبادته؟.
للحكومة هل ستتعلم احترام الشعب الذي يعتقد بأنَّها أمله الوحيد في النجاة؟ هل سوف تستغل هذه الجائحة بكتم الأصوات المُعارِضة؟ هل ستعرف أنَّ انتقادها ليس خيانةً؟
للشعب هل سيتحول من سوء الظن بالحكومة إلى حسن الظن بها؟ هكذا فجأةً بدون براهين ولا خدمات على الأرض؟
للوزير للمدير لكلِّ مسؤول عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر، هل بدأ يتذكر انَّهُ إنسان فانٍ؟ وأنَّهُ في النهاية سيموت، فلماذا الظلم؟ ولماذا التكبر؟ ولماذا يأخذ أكثر مما يكفيهِ؟ ولماذا يعتقد بأنَّهُ يضمن مستقبل أبنائه العاقين بسرقة أموال اليتامى؟ ولماذا لا يتذكر كورونا أو طاعوناً أو حادثة تفتك بهم قبل أنْ يهنأوا بها؟ 
للموظف الصغير. للعامل لصاحب المعمل للغني للفقير، مَنْ سينجو مَنْ سيكتشف نفسه بالصبر بالإيثار بمساعدة الآخرين ولو بكلمة 
طيبة.
للأذكى ليصيرَ أكثر يقظة ومرونة وسلاسة وبساطة، وللأكثر حَمَاقة، ليستفيق وينتبه إلى نفسه، إلى أينَ يسير؟ والأحمق لا يستفيق إلا بمصيبة كالطاعون وكورونا، وللرَّزَايا مَزايا!
كورونا مِحنة، وفي كلِّ مِحنة مُنْحَة، واختبار للقارئ ماذا سيقرأ؟ وللكاتب ماذا سيكتب؟ مَنْ سينجو؟ مَنْ سيبدِع؟ مَنْ سيبتكر؟ وقت الفراغ نِعمةٌ أو نِقمة! إذا لم تشغل نفسكَ بما ينفعها شغلتكَ بما يضرُّك.
للدولة العظمى ورئيسها الأحمق الذي أحصت عليه واشنطن بوست أكثر من تسعة آلاف تصريح غبي، والذي بالتأكيد لم يقرأ حكايات إيسوب الذي عاشَ في القرن السابع قبل الميلاد، وبالتالي سيضطرني إلى التنويه بحكاية الأفعى والمُبرد: دخلت أفعى دكان حداد، وجدت مبرداً، راحت تلعقه والمبرد ينزِف دَمَاً، والأفعى تظنُّ إنَّها دماء المبرد، بدأت تعضه حتى استنفدت قوتها، فقال لها المبرد: يا حمقاء! لديَّ القدرة على أنْ أقرَ كلَّ ما أقابله من الحديد، فماذا تجدي أسنانكِ معي؟ هذا الأحمق لم يلقَ حُرّاً انتصر، ولا يعلم أنَّ المرونة أقوى من القوة نفسها، وأنَّ القويَّ الصلب لا بدَّ أنْ يَصلى مَنْ هو أشدُّ مِنه قوةً وضراوة! وإن كانَ ريحاً، فقد يلقى إعصاراً.