العراق في اقتصاد المعرفة

آراء 2020/05/04
...

د. محمد القريشي 
 
لفترات طويلة ، شكل كل من رأس المال، والعمل، والأرض ، العناصر الاساسية في العملية الإنتاجية للاقتصاد، ولكن دخول عناصر جديدة، كالإبداع، والمعلومات، والذكاء، والمعرفة التقنية، على العملية الإنتاجية ، ادى الى ظهور نمط آخر من الاقتصاد ، يسمى " اقتصاد المعرفة "، وهو اقتصاد يعتمد اساسا على، المعرفة كرأس مال، ويعرف بشكل أدق، على انه ذلك الاقتصاد، الذي يستند الى التقنية المعلوماتية الرقمية، ويوظف البيانات في إدارته ويجعلها  من الموارد الجديدة للثروة ومصدراً للابتكار والإبداع والتطور. قوة المعرفة في هذا المجال، تكمن في عدم  خضوعها للاحتكار اوالنضوب او التلاشي ،وارتباطها بالعولمة، و تكيفها بمرونة عالية  مع حاجات السوق .
تعتمد فاعلية المعرفة، على الاتصالات والمعلومات لدرجة تجعل آفاقها مفتوحة ، وعابرة للحدود والثقافات. وفِي إطار اقتصاد المعرفة،  ينتعش نصيب الفرد من الناتج الإجماليّ الوطنيّ، وتتشكل بيئة محفزة للمواهب والإبداع. وقد تنامى اقتصاد المعرفة خلال السنوات الاخيرة، وأصبح مسيطرا، على 7 % من الناتج الإجماليّ المحليّ في العالم، بعد تسجيله ، نموّاً سنويّاً مميزا،  يتراوح 
بين 10 % - 50 % تقريباً من الناتج الإجماليّ للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبيّ؛ بسبب اهتمام هذه الدول باستخدام الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ولتوضيح مفهوم اقتصاد المعرفة، يمكننا الإشارة الى شركة «أبل» التي تأسست عام ١٩٧٦، واكتسحت الأسواق العالمية، خلال الأعوام الاخيرة، بأجهزة الهواتف الذكية لتصبح ،أكبر شركة من حيث القيمة السوقية في التاريخ الصناعي الحديث، بلغت مبيعاتها لعام ٢٠١٩، نحو، ٢٦٠ مليار دولار، متخطية ، بذلك ، شركة فورد العريقة والمعروفة بإنتاج السيارات منذ عام ١٩٠٣، التي  بلغت  مبيعاتها عام ٢٠١٩، نحو ١٣٩ مليار دولار .
قوة اقتصاد المعرفة ، تتجلى في قيمة الأرباح المتحققة مقارنة مع الاستثمارات في الموادالخام، والأرض والكوادر البشرية، كما يبين ذلك  ، مثال، أجهزة الهواتف الذكية التي تباع بآلاف الدولارات، في الوقت الذي لا تتجاوز فيه ، قيمة المواد الخام المخصصة لصناعة  تلك الهواتف، كالزجاج والبلاستيك  بضعة
دولارات. واستنادا الى ذلك ، فإن القيمة الحقيقية للمنتج ، تكون في المعرفة والتقنية التي تشغل الجهاز وليس المواد الخام.
 
اقتصاد المعرفة في
 المنطقة العربية  
بالنظر لتخلف الدول العربية ، عن العالم، في مجال الصناعات التقليدية كالسيارات والطائرات والتقنيات الاخرى، التي تتطلب المواد الخام والخبرات ورؤوس الأموال  ، فان الاقتصاد الحديث، المرتكز بشكل أساسي،  على المعرفة، يوفر للدول النامية ، فرصا كبيرة في تحقيق معدلات نمو حقيقية ومتسارعة، شرط تخصيص ، الاستثمارات المتناسبة  في مجال البحث والتطوير.
وبناء على نسبة الإنفاق، إلى الناتج المحلي الإجمالي GDP، فان اكثر الدول انفاقا على البحث والتطوير في المنطقة العربية  ، هي، قطر التي تصل نسبة إنفاقها إلى (2.7 في المئة) من الناتج المحلي الإجمالي، تليها ،من بعيد  ، كل من السعودية ومصر اللتاين ، لا تتجاوز نسب انفاقهما (0.4 في المئة).وهي أرقام ، هزيلة، عند مقارنتها مع دول اخرى في العالم ، ككوريا التي احتلت المرتبة الأولى عالميا بأكثر من 4 في المئة، و إسرائيل التي جاءت بعدها (3.93 في المئة)، ثم فنلندا (3.55 في المئة)، و السويد (3.4 في المئة)، واليابان (3.39 في المئة). 
وفِي مجال اقتصاد المعرفة، فقد أنشأت ، اسرائيل على سبيل المثال  ، ثاني اكبر مجمع في العالم، بعد مجمع سانت فرانسيسكو ، للتقنيات الحديثة ( يسمى وادي السيليكون) وهو ، يحتضن، شركات مهمة، كشركة  ECI Telecom للإتصالات Tadiran و Elron Electronic Industries ، كما يحتضن ، مخابر البحث والتطوير الخاصة بشركات موتورولا وكوكل ومايكروسوفت و إنتل.
عراقيا، وعند الحديث عن الانفاق في مجال اقتصاد المعرفة ، فان اول ما يتبادر الى الذهن ، هو ، سلم المعوقات الذي يبدا، بعدم وجود رؤية للدولة فيما يخص التعليم ووقوع هذا القطاع كغيره ضحية للمحاصصة، ويتدرج ليشمل ،واقع الفساد  ، وضعف الامن وسيطرة قوى اللادولة. 
لم تبذل الحكومات المتتالية، اي جهد في مجالات الاقتصاد التقليدي،  وأقتصاد المعرفة ، ولم تجتهد في ، دراسة اسباب الفشل وتحليلها وتوصيفها كما تتطلبه المعايير الدولية لمعرفة مواطن الخلل ومدياتها. وبسبب هذا النقص الفادح في البيانات ، ظهر مؤشر المعرفة العالمي، الذي تعده منظمة الامم المتحدة للعام الماضي والأعوام السابقة ، خالياً من اسم العراق.
ان الاهتمام بمنظومة اقتصاد المعرفة، لا يتم ، الا من خلال  ايجاد ارضية مناسبة، وتفعيلها في كافة المؤسسات العاملة في العراق (القطاع العام والخاص) وانشاء بيئة تسمح، بتدفق المعرفة والاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتشجيع انشطة الاعمال بما يساعد على التنمية والتدريب، وزيادة التخصيصات اللازمة لتطوير برامج
البحث العلمي