زهير كاظم عبود
لا نختلف في تحديد الجهات الدولية التي ساهمت بصنع التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدين الإسلامي ستارا وبرقعا في عملها ، ولا نختلف أيضا في أن تعاونا دوليا محددا يقوم بتسهيل تنقلات عناصر تلك التنظيمات عبر حدود الدول ، وداخل مناطق محروسة ومحمية ، كما يقوم بتسهيل انتقال الأموال والسلاح ، وتوفير الغذاء والعتاد والتجهيزات ، وعناصر تنظيم داعش تشكيل عسكري وسياسي من عناصر مختلفة الجنسية يجمعها هدف واحد ، تجسد هذا الهدف في استهداف العراق تحديدا ، وانقلب الوضع على سوريا أيضا .
ولأسباب لا حاجة لاعادة كتابتها عن سبب اختيار الساحة العراقية وتحقيق انتصارات في بعض المناطق ، بسبب التنافر الوطني ، والتفكك السياسي ، والتبارز الطائفي ، ليكون الإنسان العراقي هو الضحية حاكما
أو محكوما .
عانت المناطق التي عاثت بها تنظيمات داعش فسادا وفجورا وانتهاكا طيلة الفترة التي تسلطت فيها على رقاب أهلها ، وفي الوقت نفسه تشجع كل بهائم العرب ومرضى التطرف الديني للالتحاق بتنظيم داعش في العراق ، وقامت دول نعرفها جميعا أن تكون محطات للتجمع ، وساحات للتدريب ، وتسهيل للعبور نحو حدود مدن العراق ، وشكل تنظيم داعش في حينه أكبر تجمع إرهابي دولي يرعب المنطقة والعالم ، وبجهود السواعد العراقية في قواتنا المسلحة وعناصر الحشد الشعبي التي تشكلت بناء على نداء المرجعية الدينية ، وبهمة عشائر عراقية لم تخذل الوطن ، وبمساعدة من قوات التحالف الدولي تمت المنازلة في كل الساحات التي دنستها عناصر داعش ، وبدأت مرحلة الكنس والتنظيف والتعقيم من رجس عناصر التنظيم ، وتمت استعادة حرية الناس ومدنهم بعد ان خربها الإرهاب وترك خلفه صفحة مروعة من صفحات الدم والرعب والتخلف والانتهاك الإنساني المروع في صور لم يسجلها تأريخ
الرعب سابقا .
وعوضا عن حسم الأمر والبت في مصير العناصر الإرهابية التي تم القبض عليها بالجرم المشهود ، وبدلا من الإسراع في أن يكون مصير هؤلاء الذين استباحوا العرض والأرض والمال شاهدا لمن تبقى منهم ، تمت المماطلة في بقائهم في السجون ، وترحيل قسم منهم الى بلدانهم ، ورعاية من قبض عليها من النساء في مخيمات ، والإنفاق عليهم من المال العام ، والتحفظ على العناصر المجرمة التي تم الحكم عليها بالإعدام
من دون تنفيذ .
الانتقال عبر الحدود يتم تحت أنظار الأقمار الصناعية وشبكات المراقبة والاستخبارات الدولية ، والتواجد في مناطق غير مأهولة بالسكان في القفار والصحارى مرصودة من قبل المراقبة الدولية أيضا ، والتكنولوجيا الحديثة توفر الرؤية والرصد والمراقبة ليلا ونهارا.
احتفلنا بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابي وتخليص مدننا ووطننا منه ، وقدم العراق تضحيات جسيمة بديلا عن كل العالم ، ودرءا للخطر الذي يشكله التنظيم الإرهابي ، وبقيت فلول من تلك العناصر تعيش مثل البهائم السائبة في مناطق لا يسكنها البشر ، المحزن انه لم تتم معالجة وجودها ، وبقيت تلك العناصر تتجمع وتتواصل لتعيد تنظيم حالها مستغلة الأزمة السياسية والصحية والاقتصادية وعدم انتباه الحكام والعناصر المسؤولة عن خطورة هذه العناصر ، وضمن تجميع لعناصر داعش في مناطق صلاح الدين وكركوك وديالى وقعت جريمة مكيشيفة يوم 2 / 5 التي راح ضحيتها في شهر رمضان ورود عراقية لم تزل يافعة ،وعلينا اليوم ان نعيد قراءة ما يقع على الأرض العراقية ، والهدف الأساس الذي قامت عليه التنظيمات الإرهابية فوق تراب الأرض العراقية تحديدا ، وأن نحمي بشكل جاد وحاسم حياة الناس وأمنهم وأراضيهم في كل المناطق التي يمكن التسلل اليها ، وأن نعيد تنظيف كل تراب جبل حمرين وقضاء مخمور ومناطق وادي العظيم ،وأطراف صلاح الدين ،وان يكون جهدنا الأستخباري بحجم الخطورة التي يمثلها التنظيم الإرهابي الذي كتب عليه أن يكون خنجرا في خاصرة العراق من دون سواه ، وأن جميع أهل العراق يستهدفهم التنظيم ، ويعمل على تخريب أمنهم واقتصادهم وقتل أولادهم من دون ان يتقيد بمنطقة معينة أو بساحة
محددة .
يبقى الدم العراقي مستباحا من عناصر باعت نفسها لتكون بهائم بشرية تقتل كل شيء في العراق ، ويقينا أن انتصار العراقيين بتكاتفهم ووقفتهم دفاعا عن الإنسان ومستقبله على تلك العناصر التي تتحين الفرص
للغدر بأهلنا .
علينا ان نجعل من تمت محاكمته وإدانته عبرة لغيره من الإرهابيين ، وبقاء مثل هذه العناصر طليقة ومتمكنة خطرا ليس على العراق فحسب بل على كل البشر ، فهل نحن سنفتح عقولنا وعيوننا لما يستوجب عليه الأمر منا في ملاحقة بقايا التنظيم وتطهير الأرض وصون العرض وحماية حياة الناس بعد ما توضحت لنا الصورة ؟