غرفة من فلين عازل

آراء 2020/05/05
...

نوزاد حسن
 
  أعترف بأنني لا افضل كثيرا الاستماع الى اغلب ما يقال في البرامج السياسية التي تهتم بمناقشة وتحليل الواقع السياسي للبلد، وأحاول دائما الابتعاد عن تلك التحليلات التي تتعب من يتابعها، لانها في احيان كثيرة تنتهي بشجار وصخب اعتدنا عليه.
 كنت في الحقيقة اتمنى لو ان تعريف ارسطو للانسان ينطبق علي وعلى غيري بصورة كاملة، فهل هناك ما هو اجمل من تعريف الانسان بانه كائن اجتماعي ناطق. هذا التعريف لطيف جدا لكنه مع الاسف لن ينطبق عليَّ بالذات ابدا، ولعل كثيرا منا يعرف عن أي شيء اتحدث.
  حين ابتعدت عن متابعة الاخبار، وأغلقت الهاتف، ونظمت وقتي، وقررت ان اقرأ جيدا، عرفت اي خطأ ارتكبت. كان بعض الاصدقاء يتصلون بي في وقت معين واتحدث معهم، يسألونني عن الوضع السياسي وحظوظ الكاظمي في تمرير كابينته، اجيبهم: في الحقيقة لا اعرف اين وصلت سفينة المكلف بتشكيل الحكومة، يضحك مني محدثي ويقول: انت وين عايش. لا اريد ان اقول لصديقي انني اعيش في مكان اخر محاط بعالم سياسي واجتماعي، لكني اود ان اضع حاجزا من فلين كي لا تصلني كل هذه الحوارات والجدل السياسي الذي يرهقني جدا، وكأني بعد استماعي لنصف ساعة احس بأنني نقلت حجارة ابي الهول على ظهري.
  لا اظن ان هناك كاتبا او مثقفا يكره ان ينخرط في نقد اية اخطاء تقع. وظيفة المثقف هي ان يقول ان من الخطأ ان تكون هناك مصالح اعلى من مصلحة الوطن، هذه بالتأكيد فكرة اخلاقية كبيرة، وحين نعمل جميعا على تنفيذ مخطط مصلحة الوطن، سننجح في تحقيق افضل واجمل فكرة عن الانسان هي: ان الانسان كائن يرتبط بوطنه الى درجة الارق، ولا مشكلة في ان يختلط الدم الاجتماعي بالسياسي في الكائن.
  ربما اوجد ارسطو فكرة لطيفة لتعريف الانسان، لكن يبدو لي ان تعريف الانسان باسلوب ارسطو الجميل لا يفي بالغرض. ولعل ما اود الاشارة اليه الان ينطوي على اعتراف كبير بان الوطن هو ليس جغرافيا محددة، بل هو امتداد روحي غامض يملأ ارواحنا بجماله.
  لا استطيع في الواقع ان اظل مختفيا وراء جدران غرفتي المكونة من فلين عازل، بلا شك هذا وصف لابتعادي عن جدل السياسة، وصخب لغة الكلام السياسي كي افوز بلحظة هدوء، ولكن هل يعقل ان ابتعد عن واقعي اكثر حين اسمع ان تنظيم داعش الارهابي يشن تعرضا على القوات العراقية في منطقة مكيشيفة، فيسقط شهداء وجرحى جراء هذه العملية . في لحظة سماعي لهذا الخبر احسست بانني في حاجة الى الصراخ. وعلي ان اتحدث بصراحة,وان اظل اتابع كي احس بكل ما يقع من حولي.لذا انا اعترف بأنني كائن سياسي حزين جدا,ومسكون بفكرة الوطن الواحد. وقدري ان اعيش على عشق هذه الارض التي لا بد من ان تنتصر على كل انواع الاخطاء والشرور.
  لست وحيدا في احساسي السياسي، فالجميع يشاركونني هذا الهم الوطني، وعلينا ان نتعاون في تكون وحدة جماعية خيرة تسعى لاعلاء مصلحة الوطن قبل اية مصلحة او منفعة ذاتية او حزبية او فئوية.