ثقافتنا نحو التغيير

آراء 2020/05/10
...

  نجم بحري

اذا كان من الضروري دائما ان تكون" الثقافة للشعب" فإننا ينبغي ألا ننسى انه كي يستطيع الشعب ان يقترب من منجزات الثقافة وتستطيع منجزات الثقافة هذه ان تقترب من الشعب فإنه من الضروري كذلك الارتقاء بمستوى "التعليم العام وسط هذا الشعب ."ومن غير المعقول بداهة ان يزدهر الادب الجاد والفن الحقيقي في بلاد تزدهر فيها" الامية التعليمية "بشكل ملحوظ .. ولا يعني هذا ان القضاء على الامية سوف يكون المفتاح السحري الذي يفتح ابواب التفتح والنمو امام الادب والفن الحقيقيين بشكل مباشر. وانما يعني على الاقل تسهيل وتعبيد الطريق امام من يستشعرون في انفسهم المسؤولية من المثقفين .فالتاريخ في كل بقاع العالم يقول : ان الطبقات الشعبية لا تستطيع وحدها وبقواها الذاتية فحسب ان تصل الى الوعي التاريخي بمصيرها وانما يبرز دور لطلائع الوطنية ودور المثقفين الحقيقيين. والفكر الديمقراطي الحقيقي لايستهدف ابقاء المجتمع في افكارهم الاولية ومفاهيمهم البدائية ولكنه على العكس من ذلك يستهدف التصاعد بهم الى مستوى ارفع من الفكر ومفهوم اعلى عن الحياة .واذا كان هذا الفكر الديمقراطي يلح على ضرورة الارتباط العضوي بين المثقفين والشعب فانما  يرمي بذلك الى بناء وتكوين وحدة ثقافية وروحية تتيح للشعب ان يتقدم سياسيا وفكريا وتربويا ايضا لا ان تظل في حدودها المنخفضة على المنسوب العام لافكار المثقفين. وفي المجتمع الذي يتوجه نحو الديمقراطية الحقيقية لا تعني اشاعة الديمقراطية في الثقافة .. التكيف مع  (الذوق العام) او التجارب مع المستوى الهابط للجمهور لم يتلق تعليما او تدريبا كافيا على التذوق والاستيعاب وانما تعني ايجاد الشروط وخلق الظروف الملائمة التي تتيح لاكبر عدد من الناس ان يتذوقوا ارفع منجزات الثقافة ويستجيبوا لندائها .لقد كان (بريشت) يقول" : اذا صح القول بأن في كل انسان يوجد فنان، فمن الصحيح ايضا ان هذه الملكة يمكن ان تتطور كما يمكن لها ان تنحل". وهذه هي المهمة الصعبة امام من يريدون لبلادهم ان تتقدم ولثقافتهم ان تتطور وتزدهر . ان النجاح الجماهيري في ظل المستوى التعليمي الهابط انما هي قضية سهلة دائما ولكم نجحت مسارح كثيرة وصحف عديدة وتطورت ابان الحرب العالمية الثانية في كثير من البلدان نتيجة للمناخ العام الذي خلفته تلك الحرب الكونية . ولكن هذا النجاح وما تطورت فيه كله (طمسته الرياح كما تطمس معالم السير فوق الرمال .. )، النتيجة الاساسية التي تستخلص مما نقول في ذلك هي : اننا اذا اردنا ان نغير الثقافة في مجتمع ما .. يجب علينا ان نبحث اولا عن تغيير ) البنية الاجتماعية ( لذلك المجتمع حتى يمكنها ان تتلاءم مع اهداف التقدم والتطور الى امام .. مع نبذ التقوقع الفكري الناجم عن مخاض عسير ما زال مجتمعنا يترقب الخروج منه بوعاء الحرية والديمقراطية ورفض تحجيم الثقافة المتشتتة والمتراكمة .